كيف تصبح مدرب حياة؟

مؤخرًا أصبحت السماء تُمطر مُدربي الحياة، ويبدو أن متطلبات الحياة الحديثة لا تمنحنا الوقت الكافي للاطلاع على مصادر المعرفة المتنوعة التي يمكن لها أن تُثري حياتنا، وفي الجهة المقابلة لا يمكننا الوثوق بأي من الأصدقاء لأنهم حتمًا سيحكمون علينا عاجلًا أم آجلًا، وكما يُقال لا يدمرك إلا شخص يعرفك. لذلك يمكننا أن نلجأ إلى الغريب، العابر، المؤقت الذي لم يعش 300 سنة حتّى يخبرنا كيف يمكن أن تُعاش الحياة، ولكنه حائز على شهادة الآي أو إس المعتمدة دوليًا، واستطاع حساب عدد ساعات حديثه مع الآخرين ليضعها لاحقًا في خانة الخبرة العملية.

 

بعد الاطلاع على فيديو واحد لمدرب حياة، وأعرفه إلى حدٍ ما في الواقع، والاحتكاك مع آخر لفترة طويلة، الآخر الذي لم أكتشف أنه يعرّف عن نفسه كمدرب إلا بعد فوات الأوان، وُضعت النقاط على الحروف، وفهمت أخيرًا إلحاحه الغريب على شراء سيارة جديدة لأنه حسب رأيه خطة مُجربة ويمكن لها أن تصلح ما أفسده الأيام، وبالتفكير في الأمر، يمكن لسيارة فارهة أن تُرضي غرورك، وتجعلك تبدو من طبقة اجتماعية مختلفة بغض النظر عن الأقساط التي قد تجعل اللحاف لا يصل إلا إلى ركبتيك مهما حاولت تمديده، وأن تشعرك بالأهمية عندما تجذب أنظار الآخرين في الشارع.

 

بعد الاطلاع على ذلك، والاحتكاك مع هذا وجدت أن هناك عدّة نقاط مشتركة يمكن من خلالها لأي شخص مهتم بأن يصبح مدرب حياة، وتعتبر فرصة جيّدة ماديًا، بغض النظر عن استغلال ضعف وهشاشة الكائن البشري. بعض النقاط التالية لا يشترط أن تكون صحيحة مئة بالمئة، ولا يهم إن كانت عارية من الصحة تمامًا لأنه يمكننا أن نعلّق الأخلاق لغاية أسمى، ولا يُعد ذلك غريبًا علينا، معظمنا سمع ولو لمرة واحدة على الأقل التنويعات على تبعات التبرج أو سماع الأغاني. نتذكر قصة الكفن الذي تحدّى قوانين الطبيعة، ورفض أن يلم الفتاة المتبرجة، أو صاحب الكابرس الذي أصيب بحادث مُميت، وقبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة، حاول المسعفون والمتجمهرون إقناعه بترديد الشهادة كتذكرة يمكن الحصول عليها في آخر لحظة قبل الحدث، يحاولون حثّه عليها لأنه أصبح حالة ميؤوس منها، وفي اللحظة التي أدرك أنها النهاية، رفع بصره الدامع إليهم، والوجع يمس كل أطرافه، وقال: "العيون السود شلون أملها!"، ومن شاهد الفيديو كليب سيعلم لماذا لا يمكن التخلص بسهولة من هذه الأغنية حتى في أحلك الظروف، ويعرف البعض أن مرثية مالك ابن الريب الذي قضى نحبه وحيدًا في القفار، والذي رثى حاله قبل الرحيل، لم ينس العيون: "أقلب طرفي حول رحلي فلا أرى/به من عيون المؤنسات مراعيا"، لا يمكنك الاستهانة أبدًا بالعيون السوداء!

 

اتبع النقاط التالية، ويمكنك التصريح بعدها والإعلان أنك مدرب حياة دون الشعور بالخجل، دع هذه المهمة للآخرين الذين سيطّلعون على ما تقوله.

 

المعاناة الشخصية: يتداول معظم الناس في أماكن مختلفة قصصهم الخاصة، وأكثرها إثارةً تلك التي تجعلنا نتعاطف معهم. فتّش عن قصة شخصية، ويفضّل أن تنطوي على معاناة معينة أو رحلة نجاة، ولا تنسى أن تتحدث عن نفسك كطرف منفصل حتّى تشعر الآخر بأنك بلغت مراحل متقدمة من الوعي، وأصبحت ترى الأمور بالعين الثالثة المعلقة في السقف، وإن شعرت بالعجز تحلّ بالغموض لأن الفراغ الذي يخلّف في حكايتك، سيملؤه خيال المستمع المتعاطف بأكثر صورة مأساوية ممكنة، ولو تساءلت لماذا؟ فالإجابة غالبًا أن الإنسان يعكس تجاربه الشخصية ومعاناته الحقيقية على فراغات الآخرين، وهذا ما نسميه بالتعاطف. كلنا نعرف اثنين أو ثلاثة ليسوا بذلك القُرب، ولكن حاولوا ممارسة هذه التقنية معنا، يبدأ أحدهم بالحديث عن مشاكله الشخصية كي نشعر نحن بالأريحية، ونبدأ بعدها بالحديث عن مشاكلنا. كمدرب حياة مستقبلي أول خطواتك هي ممارسة هذا التكنيك على نطاق واسع، تحدّث بالعموميات، ومشاكل غير واضحة، المشاكل التي سيشعر الجميع بمعرفتها، وكما قلت أكثر من مرة لا يهم إن كانت حقيقية متعلقة بالثقة في النفس أو القلق الاجتماعي أو حتى مجرد وجود الكاتشب في الشاورما!

 

انشر شراع صديق قريب: يجب عليك البحث عن قصة أخرى تعكس نجاحك في التجربة. كلنا يمر علينا صديق يطلب الاستشارة في أي أمر من أمور الحياة، ونحن بدورنا نبحث عنها من وقت إلى آخر، ولأن الهدف الآن هو تعميم تلك القصة التي شعرت فيها بأنك أعلم أهل الأرض، وصوت العقل الناضج في إيجاد الحلول العبقرية. يجب على الجميع معرفة أنك رهيب في إخراج الآخرين من مآزقهم، ويعرفون أن هناك من يشبههم، وأنهم ليسوا وحيدين في هذا العالم المرعب، لذلك ينصح بأن يتحول حديثك مع صديقك عن العلاقات مثلًا إلى منهاج بخطوات عملية يمكن اتباعها، والآخر الذي شعر بالإحباط، الإحباط الذي تتشاركه كل البشرية، والذي يمر علينا من وقت إلى آخر لأي سبب من أسباب الحياة، ترويها للآخرين كمحاولة على الانتحار، والثالث الذي يحكي أنه استنزف مدخراته على القهوة أو السفر، بأن السبب سوء الإدارة المالية وعدم وضوح الهدف الذي يحرّضه على الالتزام بالادخار، وهكذا بتحويرك كل التفاصيل البسيطة في أحاديث الأصدقاء إلى معضلات حقيقية يمكن العمل عليها، وأخيرًا اقتباس يؤطّر كل الأمور، مثلًا شكسبير يرى أن كل الأشياء عبارة عن أفكار، غيّر فكرتك، تتغيّر وجهة نظرك، ينقلب الأسود إلى أبيض، وتحلو الحياة. يبدو الأمر سخيفًا للوهلة الأولى، ولكن معظم البشر لا يمكنهم استيعاب ذلك، والسبب لا يهمك، لا يهم إن كان غباءً أو جهلًا أو ضعفًا أو أنهم بلا أصدقاء، كل ما يهم هو الترويج لنفسك على أنك مدرب حياة جيّد صاحب خطوات عملية، خطوات يمكن تطبيقها على كل شيء، ولا تخجل من مشاركة قصص الأصدقاء، لا تخجل من نشر ضعفهم وأحزانهم وآلامهم أمام الجميع لأنه في نهاية المطاف لا حياء في العلم!

 

لغة الجسد: هذه الخطوة يصعب شرحها كتابةً، ولكن سأحاول قدر المستطاع. هناك جزئيتان يجب التركيز عليهما عند الحديث: حركات اليدين وتقسيم الوقفات. في الأولى حاول أن تجسّد حديثك بلغات الإشارة، لنفترض أنك تتحدث عن تسلسل خطوات مثلًا، ارفع يديك واجعلنا نفهم الدرس جيدًا، ابدأ دائمًا بالإبهام لأنه يوحي بالاطلاع العميق، تجاهل البداية بالسبابة لأنه سخيف ومتكرر، وتجنب قدر الإمكان الخنصر لأنك لست في محل خضار تحاول تذكر قائمة الطلبات. احرص على ذكر الدوائر في حديثك لأن تجسيدها مثير للاهتمام، وعند نطق كلمة "جوهر الأمر" تكفيك نصف قبضة يد إلى الأعلى، كالتي تمارسها إن كنت شابًا في أمر لا يليق ذكره هنا، أما عند المتناقضات لوّح بيدك في الاتجاهين، وعند ذكرك عبارة تحتوي على عدم اليقين، وهذا أمر يجب أن يصبح نادرًا لأن مدرب الحياة يعرف كل شيء، ارفع كتفيك في الوقت نفسه، أغمض عينيك نصف إغماضة عن التحدث بصوت منخفض لأنها تزيد الأهمية بشكل ما، وأخيرًا ابتسم قبل بداية الحديث عن موقف طريف تذكرته. الجزئية الثانية، تتطلب الوقوف المتكرر وسط الكلام لأنها تُشعر المستمع بالعفوية، وليس من المنطقي مدرب حياة يبدو عليه تسميع عبارات حفظها أو كررها عشرات المرات، صوت الـ"آآآ" وسط الكلام بلا مبالغة فكرة ليست سيئة.

 

شهادات دولية معتمدة: بعد التعريف بنفسك، ومشاركتهم معاناتك الشخصية، وكشف ملوخيات الأصدقاء، المصحوبة بحركات اليدين والتوقفات المتكررة، تبدأ الآن بإبراز العضلات الأكاديمية، نادرًا ما يحدث أن يسألك أحدًا أو يبحث عن الثلاثة أحرف الإنجليزية التي نطقتها بشكل سريع. في بداية التدوينة ذكرت شهادة الآي أو إس، هذا نظام تشغيل أبل، لو فاتتك ستكون المحاولة ناجحة، ولو استطعت التقاطها، فالمعذرة على الأقل حاولت، بس رهيبة الحركة ولا؟ المهم يجب عليك ذكر ثلاثة أحرف إنجليزية، وتضيف أنها معتمدة دوليًا. لو سألك أحدهم إبرازها للتأكد، هناك وسيلتان للخروج من هذا المأزق، إن كان اللقاء حضوريًا، فادّعي أنك ستذهب إلى دورة المياه قليلًا، واهرب على الفور، وإن كان لقاءً عن بعد، أعطه بلوك لأن من يشكك بعد كل تلك المقدمة الطويلة لا يمكن علاجه!

 

إن كنت ما تزال غير متيقن من التعامل مع الطلبات أو الاستفسارات التي ستأتيك مستقبلًا، فهناك ثلاث نقاط رئيسية يجب وضعها في الاعتبار عند التعامل مع أي معضلة لعميل أو سبك أو أي تسمية تريد التصريح بها لاحقًا. الأولى بحر المديح، أيًّا تكن المشكلة أخبر الطرف الآخر أن الإنسان بإمكانه تحقيق المستحيل، كل شيء في متناول اليد متى ما قرر ذلك، الثقة في النفس تكفي، اجعله ينف أو يتجاهل كل الأشياء السلبية المحيطة به، هو خليفة الله في الأرض، وفيه انطوى العالم الأكبر، استمر على هذا المنوال إلى أن يضعف تمامًا أمام هذا المديح، وقبل هذا يجب تعريف المشكلة ووضع جذورها ومن ثم تجنب محفزاتها، وأخيرًا خطة وضع الأهداف التي درسها معظم طلاب الإدارة في السنين المبكرة الأولى وتكررت عليهم في كل المواد اللاحقة، وهي أن كل هدف يجب أن يكون محددًا، قابلًا للقياس، يمكن تطبيقه، مرتبطًا به، ضمن إطار زمني، وبعد كل هذا يمكنك الآن وضع مدرب حياة في بايو تويتر، ضعها باللغة الإنجليزية لدواعي البرستيج، وتعلم طريقة الإعلان على السنابشات، وأخيرًا من يدري ربما نشاهدك غدًا على منصات توقيع الكتب.

الوليد

Alwaleed@hey.com

Join