قصة الإنسان والعلوم قصة معقدة يشوبها الكثير من الغموض، و كل من أراد استكشاف هذه العلاقة الغريبة يمكنه أن يقلب في بعض صفحات التاريخ ليرى العجب العجاب.
دوما لدينا افتراض أن البشرية في طور تتطور مستمر في ناحية العلوم وأننا اليوم متقدمون أكثر من أسلافنا السابقون، ويستدل البعض على مجموع ما تم اكتشافه من حفريات و مقتنيات تاريخية قديمة تعكس مدى تطور العلوم السابقة. الغريب في أن مقياس العلوم المستخدم تلك الرؤية التي تضعنا في رتبة أعلى من أسلافنا يعتبر مقياس غير سوي لأنه تقريبا يقوم بمقارنات غير عادلة تضعنا حتما في الصدارة.
مثال الطفل اليوم، لم يتجاوز السبع سنوات وفي يده جوال مرتبط بالانترنت يمتلك مدخل لمكتبة الكونجرس من أي جهاز المحمول وهذا يقول أن اللاحقون لديهم بحر من المعارف أكبر من السابقون، ولكن في الواقع أن كمية العلوم المتاحة لا تعكس أبدا مدى تطور الشعب بل قد تكون مقياسا أدق لمدى جهله، كون الكمية المهولة من المعلومات والبيانات لا بد من أن يوازيها جهل كبير بما فيها وتفاصيلها, ولنا في المقارنة بين عدد حملة الدرجات العلمية المتقدمة و تعداد السكان خير دليل.
السابقون كانت لديهم حسابات أخرى، والصورة التي يرسمها القرآن عن تاريخ العلوم البشري في حقيقته ليس درس تاريخ و مجرد قصة كما يود البعض أن يقيض القرآن، بل هو إشارة و تنبيه و إقصاء و إختيار دقيق فيه اختصار لجهود وتركيز على المنشود.
كيف ؟
التالي بعض من الأمثلة التي توضح شيء من الأساليب القرآنية في التوجيه العلمي المركز في سورة واحدة، و كأن الخالق سبحانه يكرر الإشارة لذات الأمر
وَأَلْقِ عَصَاكَ ۚ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّىٰ مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ ۚ يَا مُوسَىٰ لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ
النمل ( 10 )
قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ ۚ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَٰذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ ۖ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ۖ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ
النمل (40)
سورة النمل مليئة بالعجائب والغرائب ولكن كما ذكرنا من المستحيل بل قد يكون إهانة للقرآن أن تعامل القصص كمجرد “قصة” ولا ينظر إلا أبعاد ما ذكر فيها. القرآن كتاب حقائق ولا بد من التعامل معه كذلك
سيدنا موسى:
رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ
سيدنا سليمان:
رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ
عصى موسى و عرش بلقيس. تم نفي أن يكون أي منهم حالة من حالات السحر كما في الحال مع سحرة فرعون، فما الغريب في هذه الحالة؟
الاهتزاز والاستقرار بلا شك بينهم علاقة في كونهم حالات من حالات الحركة والسكون يكاد أن يكونا متضادين، العجيب أن في كل حالة في القصتين تأثر جسم بفعل مؤثر ما و كان التحول يمر بحالة عدم استقرار.
عرش بلقيس انتقل في لمح البصر من اليمن إلى فلسطين.
ما يسمى بالانتقال الفوري teleportation هو من نسيخ الخيال العلمي الذي نشاهده في الأفلام والكرتون وكما في القصص أيضا يقابل ذلك التحول Transformation من الخشب إلى كائن حي يسعى ويأكل وكلاهما ظواهر بدون أدنى شك لا تحدث “هكذا”
ويأتي القرآن ليثبت حدوثها؟
لا بل ليروي كيفية حدوثها، زمن حدوثها، حالة الجسم المنقول حال الانتقال وبعد الانتقال، من صاحب التقنية، كيف فعلها، من الحضور و ما قدراتهم و ينتقي القرآن ألفاظه بأشد عناية.
بتدقيق النظر في العجب عجب…خصوصا في قصة بلاط سليمان.
عفريت من الجن….
و
الذي عنده علم من الكتاب…
تحدي بين حضارتين بينهما ما بينهما من الفروقات، العفريت سيستغرق فترة من الوقت ليتم المهمة و معلوم أن العفريت رتبة عالية في الجن ومعلوم أيضا أن الفرق بين الإنسان و الجن على الأرض قرون على قرون لا يعلمها إلا الله فهم متقدمون على أقل تقدير بآلاف السنين، ويأتي رجل لم يذكر القرآن اسمه بل اختار معلومة واحدة فقط لذكرها عنه (عنده علم من الكتاب).
لماذا هذه المعلومة بالذات؟
لأنها تثبت أن هذه الطريقة كانت جزء من كم العلوم الموجودة في فترة من الزمن، وبدون أدنى شك هي أشد تقدما مما وصلنا إليه اليوم بمراحل فليومنا لا نسطيع نقل أي مادة صلبة بل يتم استنزاف مقدار هائل من الموارد فقط لعمل أنظمة تنقل الطاقة ناهيك عن المادة.
أهمية هذه الإشارات مجتمعة هي للمجتمع العلمية والتاريخي، هي طرف خيوط لبداية بحث قد يقود لنقلة غير مسبوقة في تاريخ البشرية. ما يلام عليه المتغنون بظواهر الإعجاز العلمي في القرآن هو قلة مبادراتهم في تلك الأبحاث بصورة جدية منتجة وفعالة ليومنا هذا دون الاجتهادات التي تحسب في الموازين.
في هذه القصة ثبوت أن البشر ليس فقط قادرون على نقل الأشياء في لمح البصر بل قد أثبتوا ذلك أمام ملك من الملوك يعتبر في التصنيف من أعظم من حكم الأرض.
هل هناك من يبحث في الموضوع الآن؟
هل هناك بحث قائم في الموضوع الآن؟
هل يتم دراسة الاهتزاز الجزيئي وعلاقته بالانتقال من مكان إلى مكان على ضوء ما جاء في الآيات؟
هل يبحث علماء التاريخ عن علوم الحضارات المندثرة؟
هل جواب غالب الأسئلة بلا إنعكاس على أننا نعامل الموضوع على أنه قصة فقط؟
بناء على ما سبق كان هناك مدرسة علمية في مكان ما درست وبحثت حتى استنتجت وأثبتت ثم برهنت، قبل كم ألف سنة؟ نعرف عنها شيء؟
شفت الكلام ؟
سحر وخرافات ودجل
وصلت ؟