لماذا لست هو؟
وهو أنا؟
بريد إلكتروني مفاده: اللقاء الرُّبعي لأحد المجموعات التي أعمل معها وبه كل التفاصيل، 35 دقيقة على المركبة للوصول، قررت التحرك في تمام 3 ظهراً، في ثواني غيرت القرار ليكون خروجي بعد صلاة العصر التي لم يتبقى عليها سوا دقائق.
تحركت، الطريق لم يكن مزدحماً، الجو حارٌ جداً وداخل السيارة أكثر حراً، وطريقي باتجاه الغرب والشمس تقابلني وكأنها تتعمد مواجهتي بأشعتها، المُسجل على برنامج حواري مهم، عياناي على الطريق وانصاتي على البرنامج، انعطفت يميناً بعد قطع نصف الطريق، الشمس على خدي الأيسر فيواجه الحرارة عارياً! يميناً ويساراً طوال الطريق.
المتبقي 7 دقائق للوصول، أقبلت متوسطاً بسرعتي على منعطف، لم يكن أحدٌ أمامي سواء مجموعة قليلة من الناس تجمعوا على سيارة قد اصطدمت بعمود إنارة، بالنظرة العامة للعدد كأن الحادث قد حصل منذ مدة والناس متجمعة لأجل التجمع ولا أحد مصاب! أبطأت سرعتي، وصلت عندهم وتوقفت، ترجلت من السيارة "الحمد على السلامة، أموركم طيبة" قلتها بصوت عالي فالتفتوا علي، قال أحد منهم بنبرةٍ حائرة "فيه اثنين واحد داخل السيارة وواحد هناك منسدح"
حرارة الجو، الهواء المثير للأتربة، دفعة الهواء الحار الذي يأتي فجأة بسبب سرعة السيارة بجانبنا، كلها تزيد الوضع سواءً، فرقت الجُموع عند السيارة، فوجدت سائقها طارحاً ظهره على المرتبة، مميلاً رأسه لليسار، فمه قد جف في الدم، بفحص سريع بعد سؤال الناس، الرجل قضى نحبه. مسرعاً باتجاه الآخر بعد طلبي من الناس الابتعاد عن السيارة، فحصته سريعاً وتعاملت مع الموقف كما يجب.
بداية وصل الدفاع المدني، أعطيته ما لدي من بطاقات وأخبرته بالوضع، اختصاص الدفاع المدني الآن هو إخراج الجثة من السيارة لأن السائق قد اصطدم بالعامود من جهته فتشكلت السيارة على شكل قوس في العامود ولصقت به، لم يكن سهلاً سحب السيارة فالالتصاق قوي، وصل الإسعاف وأخبرته بالحالتين وقاموا بعملهم، سُحبت السيارة، وجاء دور فتح الباب الذي لم يكن إلا أصعب من سحب السيارة، فكان كالعجين الذي تداخل مع بعضه وأنت تبحث عن الشعرة بداخله!
فُتح الباب، أُخرجت الجُثة، وُضعت على الأرض، غُطيت بالكيس الأسود، الإسعاف أخذ الرجل الآخر، أركبه السيارة وانطلق به، في هذه الأثناء كنت أُنظم السير، عينٌ على المشاهد أمامي وعين على المارين، وعقلي في تأمل عظيم، من على يساري قد توفي، إلى أين كانت وجهته؟ ماهي خططه اليوم؟ ما فعل اليوم؟ ماهي خططه للغد؟ كيف حال اسرته؟ ماذا؟ وكيف؟ ومتى؟ على يميني سيارات المارين المتجهين للمنتجعات والاستراحات في (عرقة) هم متجهون لقضاء يومٍ ممتع مع العائلة، الأصدقاء، زملاء العمل، متجهون للمتعة والترفيه والمرح، متجهون وكلهم سرور وسعادة، متجهون وهم يرسمون خطط الفعاليات الترفيهية لليلة!
تساؤلات لا نهاية لها وبدون أجوبة، هذا قضى نحبه وهو قد كان متجهاً لهدف، وهم متجهون لهدف، لماذا لم يكونوا مكانه؟ بل أنا أنا عامر لماذا لست هو؟ وهو أنا؟ ثم فجأة وفي خضم هذه المشاهد انفصل عقلي تماماً عن المشهد والمكان الذي أنا فيه، أصبح عقلي وكل حواسي في مكان آخر وكأن العالم والزمن توقف وأخذني رجل في عالم مختلف عالم غريب عالم أطير فيه فقط دون مشاهد محددة ولا هدف ولا شيء تماماً كالأفلام، كأن شخصاً اجتث روحي وانطلق بها في رحلة سريعة لا معنى لها ثم أعادني، انفصلت عن كل شيء حولي، عن المكان، الحادث، الإسعاف، الدفاع المدني، الميت والمصاب، السيارات، الحر!
عدت وأنا واعي تماماً بما كان يحدث في هذه الثواني التي انفصلت فيها عن الواقع، وكأن العقل نسق هذا مع الانفصال فعقدا صفقة مفادها "اذهب به وأن سأخزن ما يحدث كي لا يشعر أنه فقد الوعي" تحركت باتجاه المنتجع وكل تفكيري أثناء الطريق وفي المنتجع بما حدث، بما أعاد التفكير أكثر حينما عدت من ذات الطريقة ونظرت للمكان، قبل ساعات مات شخص وفي هذه الساعات كنت أستمتع مع الزملاء.
شكراً على وقتك اللي خذيته في قراءة المدونة
أسعد جداً بتعليقك ومشاعرك على مواقع التواصل الاجتماعي
وما تنسى تشارك النص مع من تحب