مذكرات رمضان 1444
هُنا عامر وهنا مذكراته
محاولة لتدوين ما أعيشه في رمضان، ومحاولة لتدوين ما يفيد، وقدر الإمكان سأكون شفافاً في إظهار بعض الأمور الشخصية، وأود لفت انتبهاكم قبل الذهاب في رحلة القراءة أني قررت أن يكون هذا الرمضان بلا مواقع التواصل الاجتماعي ويقتصر استخدام الهاتف على تطبيق “الواتساب” لأمور العمل وغيرها ولو كان
الأمر بيدي لأوقفته أيضاً
ثلاثون نصاً، قراءة ممتعة
اليوم الأول
بداية شهر الخير، قررت في ليلته أن لا أستخدم مواقع التواصل الاجتماعي لاغتنام الشهر، فالدقائق التي تقضى في تصفح موقع والبحث عن “الترند” أولى أن تكون في صلاةٍ وتلاوةٍ ودعاءٍ واستغفار وغيرها من الأقوال والأعمال، فلا فائدة من الأول وأما الثاني فما أعظم الخير الذي فيه.
طوال اليوم كان العقل مشغولاً بالتأمل في الحالة التي عشتها ليلة رمضان، والأمر حول استشعار دخول رمضان، لأني وفي حقيقة الأمر لم استوعب الأمر فعلاً إلى العصر، وكنت أقول هل دخل رمضان فعلاً؟ أنا أعلم عظمته والخير الذي فيه، لكن لماذا لم أستشعر تلك العظمة؟ هل أنا منتاقض؟ لأني أعلم مابه لكن لم أعقل الأمر؟
أعتقد أن هذا الأمر ليس شعوري فقط بل شعور الكثيرين وأعتقد أن السبب في هذا هو اشتغال العقل بأمور الدنيا والعمل بمختلف أشكالها وتفضيل الشخص لذلك، فلا مساحة له للتأمل فيما يعلمه من عظمة هذا الشهر، وليس الأمر حصراً على رمضان بل حتى في شؤون يومه، كلنا نعلم عظيم أمر الصلاة، حسناً؛ كم منا صلى واستشعر كل المعاني حول الصلاة؟ هل نصلي أم نؤدي؟ كلنا نعلم عظيم أمر قراءة القرآن فكم منا كان له ورد يومي منه؟ وقس على ذلك.
الأمر ليس على انشغال العقل بأمور الدنيا والعمل على حساب شؤون الآخرة، حقيقة الأمر هو تغليب تفضيل الشخص لأحد الأمرين، فكم من رجل كان لديه من الأعمال ما لديه لكنه قلبه وعقله معلق بربه فتجده إن قام بطاعة أو نافل أقبل عليه بكل ما فيه ثم انصرف لشؤون حياته، بل حتى إنك لتجده يخلص أمور دنياه لربه، فهو يعيش في الدنيا جاعلاً ربه معه دوماً، وهذا لا يأتي إلى بالدعاء والعمل وإظهار الحرص.
انتهى اليوم محاولاً ضبط نفسي وشحذ قوتها للعمل والاجتهاد في رمضان
اليوم الثاني
الجمعة الأولى، كلنا نعلم عظيم أمر يوم الجمعة فأضف على ذلك أنها جُمعة من رمضان فأي نعيم وخير أنت فيه؟ التأمل في هذا الخير هو مما يقوي النفس على العمل، فهذا اليوم كان مقسمٌ على ثلاثة ، التأمل في بلوغ هذا الشهر، التأمل في خيراته، قراءة القرآن والصلاة والدعاء والاستغفار.
ظهر الجمعة شغل العقل بأني اليوم في ثاني يوم وأن الله قد يسر لي بلوغ الشهر فأحد أمور حمد الله التي يجب أن تظهر مني هي الأعمال والأقوال، فكيف ييسر الله لي بلوغ رمضان وأكون فيه كما كنت قبله؟ أي هوانٍ أنا فيه!!!
ثم انطلق العقل إلى استحضار كل المعاني العظيمة التي تساعدني في اغتنام هذا الشهر، ثم أتى هذا المشهد في عقلي: تخيل أنه فتح لك خزينة من الذهب وقيل لك خمس دقائق فخذ الكمية التي تريد، هل ستستخدم يداً واحدة لجمع الذهب؟ هل ستكون بطيئاً في التحرك؟ لا ثم لا ثم لا، بل ستكون برقاً في حركتك، وستبتكر طريقة تجمع فيها أكبر كمية في المرة “بتغرف بيدك ورجيلك” فكيف بهذا الشهر؟!!!
انتهى اليوم …
اليوم الثالث
لمشهد وجود عدد كثير من الناس لم بقوا في المسجد بعد انتهاء العصر كان العقل يتأمل، وأكثر ما كان العقل يتأمل منهم هو مشهد الشيوخ منهم، ربما هذا الرمضان الستون لهم فكيف هو حالهم في كل رمضان؟ ماذا يفعلون قبله وبعده؟ وكم سنة هم على ذلك؟ تجد بعضهم رافعاً كفيه يدعو بإلحاح وافتقار ويداه تهتزان وآخر منهم قد وصل للجزء العاشر وهو في اليوم الثالث من رمضان، وغيرها من المشاهد.
مالذي كانوا يرجونه من ربهم؟ ماذا يرجون الآن من ربهم؟ كيف كان حالهم؟ وكيف هو الآن؟
تأملت في أمر كنت أفعله بلا وعي، طيلة الأيام الماضية كنت أخرج هاتفي لمجرد الاطلاع والنظر، هل من رسالةٍ أو حدث جديد؟ أتصفحه ثوانٍ وأغلقه لأنه لا تطبيق للدخول عليه، فعلمت وأيقنت حينها أن العادة السيئة قد تمكنت مني وهي تصفح المواقع دون هدف محدد فتدخل على موقع منهم لغرض معين ثم تكتشف أنك قضيت خمس دقائق في تصفحه دون فائدة وربما تنسى الذي كنت تريد.
تأثير هذا على المدى بعيد سيء جداً، فمع زحام الأعمال يأتي زحام الأخبار والأحداث وغيرها من محتوى مواقع التواصل على العقل، بل إن بعضهم لا يجد في عقله مساحة للتفكير في عمله والإبداع ليس لكثرة الأعمال ولعدم وجود الوقت بل لأن العقل لا يستطيع التركيز في أعماقه لكثرة ما يفكر فيه.
ليس بالضرورة أن تقرر أن هذا الأمر يحتاج للتفكير أم لا، ليس القرار بيدك، القرار لبصرك وسمعك، فاليوم تمر على الإنسان أحداث كثيرة وبمجرد أن يراها أو يسمعها فهي تذهب للذاكرة دون إذن منه، لا يستطيع حذفها، نعم ينساها لكن تظل في ذاكرته إلى حين وجود المحرك الذي يستدعيها، وهنا أتحدث عن الأمور في العقل اللاواعي
اليوم الرابع
في المكتب مع زملاء العمل، وعلى حالتين فمنهم من تراه يعمل بقوته كما كان قبل رمضان وهم قلة، ومنهم من لا يصلح في أي حال من الأحوال أن تسأله عن شيء وهم الأكثر، وهنا يأتي التساؤلات، هل هم متعبون حقاً؟ لماذا هذا التعب؟ هل لجوع؟ أم هنالك عادات تغيرت فسببت هذا الإرهاق؟ هل كثرت الأعمال؟ لو عدنا لعهودٍ سابقة وأتينا بالمقارنة مع أجيالنا هل التعب اليوم حقيقي؟ هل أجسادنا تختلف عن أجسادهم؟ هل منازلنا وحياتنا وما بها من رفاهية جعلتنا نشعر ببذلنا أنا متعبون؟
على هذا أعتقد أن جسم الإنسان يتكيف مع بيئته فليس من الصحيح مقارنة الأجيال ببعضها وإنما مقارنة طبيعة الحياة في كل جيل، الجسد هو الجسد لكن البيئة ما تحويه هي تحدد قدرة تحمل الإنسان، وهنا حالة واضحة، تجد أن الناس في بداية رمضان يحسون بالجوع فيكثرون من الطعام في الفطور وبعد أول إسبوع تقل شهوتهم للطعام وكمية الأكل تقل لأنه عود الجسم على أمر جديد فتكيف كل جسده مع الأمر، حالة أخرى، رجل يعيش في منطقة تصل درجة الحرارة فيها في في منتصف الشتاء إلى 23د لو سافر لمدينة تصل فيها درجات الحرارة إلى ما دون الخمسة لرأيته قد تكفن بما يدفيه ولو سافر رجل لمدينته لرأيته بملابس عادية.
وما يختلف من شخص لآخر هي سرعة التكيف، فبعضهم بعد يوم أو يومين وبعضهم شهر وغيرهم قد يمتد الأمر لسنوات في بعض شؤون حياتهم.
اليوم الخامس
قررت البقاء عصراً في المسجد والإفطار فيه، قبيل الأذان سمعت أصواتاً ساحة المسجد فخرجت فإذ بالساحة قد ملأت بالصائمين من بعض الجاليات الآسيوية ينتظرون وجبات الفطور، أطلقت بصري فيهم متأملاً حديثهم وجلسوهم وتقاسمهم للطعام وتلاصقهم ببعضهم، ليس هم عمرٌ محدد فشيخ هنا وشاب هنالك، عقلي راح في حالهم وحالي، كيف هم هنا وأنا هنا، أنا بقراري أردت أن يكون الفطور بهذا الشكل وهم هل بقرارهم أم أن توفير الميزانية قد أتى بهم؟ كم سيفرون على أنفسهم طيلة رمضان؟
انطلق عقلي باستحضار مشاهد سفر الطعام في بيوت الناس، أشكال مختلفٌ ألوانها، وهؤلاء على ذات الصنف يومياً وربما من قسم وجبته فشيء لفطوره وشيء للسحور، ثم بعضهم يفطر الآن في “بوفيه مفتوح” قيمته للفرد أكثر من 300 ريال، هذه قيمة فطور 10 أشخاص ربما.
أتتني فكرة تناول الفطور معهم للاقتراب أكثر منهم، للشعور بحالهم أكثر، لكني قررت عدم فعل ذلك لأني بذلك سأكون في مكان منهم أحوج مني، أذن، أفطروا وأفطرت وأفطر من في البيوت، فالحمد لله.
اليوم السادس
كان الإفطار مع أصدقاء لهم مقهى وهم كل يوم يُفطرون فيه لبدء أعمالهم مباشرة بعد صلاة المغرب، نعم استغربت ذلك، لكن حينما ترى توافد الناس عليهم بعد صلاة المغرب بقليل تدرك ذلك.
جمال حديثهم ورحهم تخبرك عن سعادتهم بما هم عليه، كل منهم قد أتى بطبق من منزله، وليس المهم قدر الطعام فيكفي القليل، يفتح كل منهم طبقه وترى مع كل طبق أصواتهم تعلوا حماسة بمنظر الطبق “شيء جبار” وبمجرد أن يتناول أحدهم قطعة من أي طبق ويعجبه لا تسمع إلا “في التسعين ياخي” وسيل من الدعوات له ولمن أعده.
كل هذا الجمال لم يكن لو كان التعامل بينهم رسيماً بلوائحٍ وأنظمة، ونعم هو كذلك لكن القدر الأكبر في التعامل يحكمه الود والمحبة والتفاهم، فكان في الجلسة عدد من المدراء عندهم.
اليوم السابع الأربعاء
بعض الأطفال يتواجدون في المسجد ما بين السادسة والحادي عشر من أعمارهم تقريباً دون آبائهم، عدت بالذاكرة قليلا، هذا المشهد رأيته مسبقاً، ليست المرة الأولى التي يتواجدون في مبكراً، كيف كان منهم هذا التبكير؟ هل هو حرصٌ أم خوف من الوالدين؟ هل يعلمون عظم ما يفعلون؟ هل هم مقبلون على الصلاة بكلهم؟
ثم بدأت رحلة الإجابات، لو كان خوفاً لما رأيتهم في الصف الأول يصلون ويتلون؟ وما يساعد على ذلك أنه لا وجود للأب في المسجد وحتى أمهم لا تعلم هل هم في المسجد أم لا؟ هل ذهبوا مبكراً أم لا؟ لديهم كل مقومات اللعب وإن سألهم أحد فليكذبوا!، بإمكانهم أن لا يدخلوا المسجد إلا في الإقامة أو يقعدون في آخر المسجد.
حتى بعد انقضاء الصلاة لا يهرعون بالخروج، كيف صاروا هكذا؟ هذا هو التساؤل الأكبر، والإجابة واضحة فالأمر أمر التربية، لكن التساؤل هنا، كيف استطاع الوالدان فعل ذلك؟ ماهي الأساليب والخطط التي تعاملوا بها مع الأبناء؟ إلى أن صار الواحد منهم هو من يقود نفسه، كم من الوقت ذهب في التربية؟ كيف استطاعوا التعامل مع متغيرات هذا الزمن؟ ولا أقول ذلك لأن الأمر سهل يسير فالكل يرى ما سهولة الوصول لكل شيء، وتسرب الكثير من المحتوى السيء.
أعتقد أن كل مربي يسلك مثل هذا المسار في تربية أبناءه واجبٌ عليه أن يبلغ الناس من حوله كيف يفعل هذا، فالبيوت في احتياج!!!
اليوم الثامن
كان يومٌ للسفر “للديرة” يوميان نقضيها مع الأهل، كان أخي يقود عني وأما أنا فقد جلست منزلاً نفسي على المقعد وبصري مغمضاً عيني أتأمل في حال المغتربين عن أهلهم بمختلف أحوالهم، وقد يقول قال لا تجمعهم في فيما بينهم مختلفين ونعم أوافقه على ذلك فمغتربٌ مقتدر ومغترب حاله أقل وآخر أعلى، لكن كلهم يجمعهم الحنين لأهلهم ومهما بلغ الرجل منهم بماله أو عمله أو حياته لا يزال يشعر بضعفٍ في داخله، وأنا على ذلك شهيد ومُجرب بل أعيش!!!
وصلنا على الإفطار وأجمل ما كان اجتماع العائلة كلها في منزلنا “يالله جمع الجنة يالله” لم أخرج حينها من المنزل لزيارة أحدٍ إلا الأصدقاء ولم أُطل المكوث عندهم دقائق ثم عدت للمنزل وهذا ما أريده.
ذهب كل فرد من أهلي للراحة ثم اجتمعنا قبل السحور بساعتين وكانت من أجمل اللحظات، حوارٌ هنا ولعب هناك وجدالٌ هنا “ومطاردة” هناك، أدركت قبل السحور أني قد أكلت طبق “اللقيمات” كاملاً فأمي أعدته وهي تعلم كم أحبه