الطارق الجميل
على وقع خطواته الهادئة التي يعود بها في كل ليلة تستيقظ أمه، وحوارهم المازح دوماً
الأم: رجع الخفاش الله يقويه
ناصر: سهرانه الحلوه
الأم: روح روح نام وإذا ما كليت ترى الحافظة في غرفتك
ناصر: "طيب، ما فيه حلى بعد الأكل" يُقبل يد أمه ثم يصعد لغرفته.
ناصر، أو ما يصح أن نُطلق عليه "الساعي ناصر" فهو يحقق معنى السعي في كل يوم، يكره السكون، في عمل دائم، قلما تجد لديه وقت فراغ، حتى ذلك الوقت الذي نمسيه فراغ يُسميه خُلوة وعزلة للعودة مرة أخرى، يبذل وقته وجهده فيما يجب أن يُبذل وليس همه الوصول فكما يقول هذه النتيجة وهي ليست بيدي، أنا سأتوكل وأسعى.
حتى أن حركته سريعة، يجد الحلول دائماً لكل شيء لأنه تعود أن يُنجز، في أوسط الأسبوع لا يعترف بالمنزل إلا ساعات نومه القليلة، ثم قهوة وفطور الصباح مع الوالدين، وعمل وعمل وعمل وكأنه خُلق لهذا، يُعطي كل ذي حقه حقه في يومه، دينه، أهله، أصدقاءه، عمله، لديه الوقت دائماً، في نهاية الأسبوع وكأنه ملتصق بالبيت لا يخرج.
ناصر، منشغل جُل وقته وربما يظن البعض أنه من الصعب الوصول له، أي حوارٍ ولقاءٍ غير مفيد يتجنبه، يحاول دوماً تجنب النقاشات الحادة والصراعات فالوقت أثمن من أن يضيع في وجهة إثبات وجهة نظر، قليلٌ في لقاءاته الودية و"السوالف عشان السوالف" فهو يرى أيضاً أن لديه الكثير ليعمله وذلك سيعطله.
طُرق بابه، وذلك الطارق كسر كل القواعد التي وضعها ناصر، تغير ناصر، صار يقضي كثيراً من وقته في الحديث معه، حتى لو أنه كان منهمكاً في عمل أوجد وقتاً للحديث، من يرى ناصر في هذه الحالة يظن أنه "افضى" الناس في العالم، لكن الأمر غير ذلك، الأمر أن ناصر قدم الطارق على كل شيء ولم يتغير شيء في حياته في جانب العمل.
يعلم ناصر أنه لديه عاطفة ومشاعر جميلة يبذلها لأهله بالقدر الكبير والقليل منها لأصدقاءه، لكنه لم يخطر بباله أن لديه عاطفة ومشاعر أكبر ستبذل لطارقٍ لم يكن يعرفه، لطارقٍ صار محبوبه العظيم، نعم ناصر يُحب! وهذا الطارق لم يطرق بابه فقط بل أصبح كمجرى الدم في الجسد، ناصر لأول مرة في حياته عرف معنى آخر في الجمال، يعيش فيه وبه، كان يسمع بالحب وغيره لكن لم يكن يهتم به وربما لم يعقله
أدرك ناصر أنه قادرٌ على البذل والعطاء لهذا المحبوب بقوة تفوق عمله الدائم، وربما هذا البذل الجديد قوّاه على زيادة البذل في عمله، لم يتغير ناصر وحسب بل تغيرت كثيرٌ من المعاني لديه، ناصر يرغب به، يريده بجانبه، في حوار بينهما قال ناصر: أريدك معي في الحياة القادمة في تحدياتها وفرحها وانجازاتها أريد بقية العُمر معك.
تزوجها ناصر، فأوفى لها بكل ما قال، تزوجها فكانت له كما أيقن في ذاته عنها أنها ستكون السُكنى والآمان والحياة ستكون المعنى الذي يعيش به وفيه، فكانت كذلك وأكثر، في اللقاء الأول أمسك بيدها وقال: الحياة طويلة وأنتِ الرفيق الذي أقوى به، فهل أنتِ معي؟ قالت بل أنا فيك، ثم سألته: هل أنتَ معي؟ قال: لا أنفك عنك.
في كل جُمعة يتخيران مكاناً مع الشروق لتشرق مع الشمس كلماتهم التي يستلذون بها من قلوبهم.