الفٌرقة الكُبرى

ناصر وسلطان

ناصر وسلطان إخوة والأول يكبُر الثاني بعام وأبوهما عبدالله، يُشبهان بعضمها رُوحاً لا شكلاً، متقاربان من بعضهما إلى حد التقارب ولو مر السيف بينهما لا تدري دمُ من يجري، هل سمعت يوماً بتوأم الأرواح؟ هُما!





عنى بهم عبدالله حق العناية فكان باراً بهم، فأدى حق التربية على أكمل صورة، أعمق حفرة التأسيس لبنيانه حتى استطاعوا بناء أطول الأبراج وكلما أرادوا مده أمكنهم ذلك، أسسه على تقوى لا على شفا جُرُفٍ هَارٍ فانهار بهم!




لا ينفكان عن بعضهما، ومن عجيب صنيع ناصر أنه راجع والده مراراً كي يتأخر سنة دراسية ليلحق به أخوه فيكونان في صفٍ واحد! وكان له ما أراد بعد جهادٍ عظيم، لا تقدر أبداً أن تعرف من يحب الآخر أكثر من غيره وهما لا يعترفان بكملة الحب قولاً بل يمارسانها، بل الحُب في ذاته ربما تعلم منهما! يتجسد فيهما معنى الإيثار فلو قُدم لأحدهما شيء ولم يُقدم للآخر أتى الأول وبذل كل ما قُدم له لأخيه ولم يتردد ولم يقل "سأناصفه مع أخي!" فتراهما في قتالٍ إلى الوصول لحل.





كان والدهم يخشى عليهم الفُرقة من شدة الاقتراب، يخاف أن يوقع بينهم الشيطان فتتحول المودة إلى بغضاء، فعنى بالدعاء كما عنى بالتربية ولم يحصل ذلك، كان يختبرهم بافتعال أمورٍ ليرى صنيعهم فيها، يمدح هذا ويترك الآخر، يوبخ أحدهم ثم ينظر كيف هي ردة فعل الآخر وتعامله، يختار أحدهم لأمر ويذر الآخر، يخصص أحدهم لخير ثم يُحرصه على عدم إخبار الآخر، كل الاختبارات نجحو فيها فارتاح قلبه لذلك واستمر في الدعاء




تخرجا من الثانوية، وكان أول اختلاف بينهما في اختيار التخصص، وليس الاختلاف لأن كل واحد منهما سيدرس في تخصص غير الآخر، بل لأنهما لن يقضيا كل الوقت معاً! لن يتجاورا في المقاعد كما كانا، لن تكون مواعيد ذهابهما معاً، سيكون كل واحدٍ منهم علاقاتٍ جديدة في تخصصه، استحلال المُلحق الخارجي للمنزل للمذاكرة كما كانا يفعلان في الثانوية لن يحصل.






كان أبوهم ينظر لهذه الحالة سعيداً لأنه يعلم أن لكل واحد منهم حياة ستكون فهناك زوجة وأبناء وعمل، وما يحدث لهما من فُرقة في التخصص مُعلم للفرقة الأكبر خصوصاً في هذا العمر، ناصر وسلطان جاهدا كثيراً لتقبل الفكرة فما بالك بالواقع الذي يجب أن يعيشان فيه؟ بذلوا وتعبوا في هذا البذل، نعم تعبوا، وكأنها نازلةٌ على قومٍ يرجون من الله زوالها! سنواتٌ مرت عليهما عجافٌ لكنهما تعلما وعلما سبب سعادة الأب.






يشهد المنزل الكبير حفلاً ضخماً لتخرجهما بمرتبة الشرف ناصر طبيب وسلطان مُهندس، أكملا حياتهما في ذهابٍ وإياب سوياً أو مع الأصدقاء، سنتين بعد التخرج والعمل، تأتي رغبة الزواج فيخبران الأب ويسعد لذلك وتبدأ الأم في عملية البحث لذلك.





يخرجانِ في نزهة لهما في الحي سيراً على الأقدام، عند بقالة الحي توقفا، فتشوا الجيوب فلا مال معهما، انطلق سلطان للمنزل لجب المحفظة وخرجها من البقالة وجلس ناصر لينتظر عودة سلطان في مقعدٍ خارج البقالة قد وضعه العامل، ناصر كان يرى سلطان في كل ليلة، لكنه لم يأخذ تلك المأكولات والمشروبات التي اختارها، لم يدفعا للعامل شيء، بقيت على الطاولة إلى أن أعادها العامل إلى أمكنتها!






ناصر كان يرى سلطان كل ليلة، بالأصح كان يرى طيف سلطان!!! كان يأتي كل ليلة ويجلس في المقعد على أمل عودة سلطان، يريد اكتمال المشهد حسب سياقه فآخر ما رآه من سلطان هو ركضه والفاتته له مبتسماً ويصرخ "معليك ما بطول بجيك بسرعه" كان يريد من سلطان أن يفي بوعده! "بجيك" ليكمل معه مشوار التنزه، كان يريد على الأقل أن يكون هذا هو المشهد الأخير إن كان لابد من نهاية! أو أن تكون تلك هي الصرخة الوحيدة صرخة الابتسامة!، لكن لم يتحقق له طلبه، فآخر صوت سمعه هو صراخ الألم من سلطان وآخر منظر له انغلاق عيني سلطان لتكون الصورة الكبرى صمت وسكون من سلطان، ثم صمت ناصر وأخذ يأتي في كل ليلة إلى ذات المقعد ليتحصل على السكون كما حصل عليه سلطان!!





عبد الله، لم يكن يعتقد أن هذه ستكون الفُرقة الكُبرى!






المشهد الأخير

سلطان مع كثرة التفاتاته لم ينتبه للشارع فخرج على طريق المركبات فصُدم …!








انتهــــــــــــى

الاثنين

2024/07/08 – 1446/01/02

10:50 AM

مقهى سلام – المحمدية - الطاولة المواجهة للزجاج الشمالي 


شكراً على وقتك اللي خذيته في قراءة المدونة

أسعد جداً بتعليقك ومشاعرك على مواقع التواصل الاجتماعي

وما تنسى تشارك النص مع من تحب

Join