ما بين المثالية والتضخيم
"أنت كبير تقدر تتحمل”
شدعوه تبكي عشان هذا"
"الله يعينك”
ياخي وضعك صعب"
الحال الأبرز هو التطرف في المشاعر عند حدوث المشكلة إما من الفرد نفسه بأفكاره أو بتعامل الناس معه، الأول تنكر للشعور، تنكر للمشكلة نفسها، الأول شأنه كغرفة الطوارئ في المستشفى هدفها الحدُّ من الضرر لا علاج المشكلة! الثاني إغلاق باب الأمل لأفكار مرور المشكلة وكأنه بها هالكٌ وأيامه معدودة في البقاء!
الأول كذبة، وحتى لو كانت ستساعد في تقليل الضرر فآثارها الجانبية أشد وأقوى، لأنه أعطى الكلمة ولم يكمل، أعطى المُخدر ولم يقدم العلاج الكامل! ولو قلنا أن الأول أخمد النار فهل كانت طريقته سليمة؟ هل أخمدها فعلاً؟ جرب معي أن تسكب قليلا من مادة سريعة الاشتعال (البنزين) مثلا على تراب ثم قم بوضع تراب عليه وانتظر قليلاً وحرك التراب سترى النار مرة أخرى! النار هنا تنفست! وبالمناسبة عزيزي هل تعرف مثلث الحريق؟ بصيغة أخرى هل تعرف ماهي العناصر التي إن اجتمعت كان الاشتغال (مادة الاشتعال، الحرارة، الأكسجين) إذاً كيف عادت النار مرة أخرى في مثالنا، بكل بساطة عاد الأكسجين، إذاً المشكلة كذلك، إذا لم تتعامل بما يناسب فسيأتي ذلك اليوم الذي ستعود فيه في لحظة قد يكون التوقيت فيها عاملاً مساعداً لحدوث ضرر أكبر، كالنار التي ضن الأب أنه أطفأها في المجلس وخرج ودخل طفله الصغير ثم عاد الأب لكن الباب لا يفتح إلا من الداخل أو بالمفتاح والمفتاح في حلقة المفاتيح التي في سيارته التي استعارها ابنه الأكبر، فاحترق الطفل الصغير من النار التي كان من المفترض أنها أُخمدت! ولك
عزيزي القارئ التأمل فيما قد كان لك، فقد، خسارة، مرض…الخ أي مشكلة مهما كان حجمها!!!
الثاني يجعل الفرد يعيش في ظلام لا أمل في بزوغ الفجر بعده، حتى لو أنه في واقع الأمر
يعيش في فُسحٍ ونور! الثاني يُعطل الفرد، يشلُّ حركته تماماً ويقدم له عجزاً متخيلا، يُخبره عقله أن لا يقدر على التكفير بالحلول ثم يوجهه للركود والخمول ثم يذبل وجهه ثم يُضيّق عليه الأرض بما رحبت، وربما تكون المشكلة ضمن حدود قدراته لو فكر أو لو كانت خارج طاقته ربما ربما كان يستطيع التعامل معها بأي شكل من الأشكال لو فكر! لكن فكرة النهاية القريبة هي المسيطرة، شعور الضعف هو القائد والعجز نائبه.
الأول، ينظر للفرد كونه كبير أو "طبيب" أو قارئ …الخ ينظر للفرد بالصورة الحسنة الكبرى التي فيها والتي يوهمه بها أنه قادرٌ على مجابهة كل شيء، ويعمي عنه أنه إنسان له مشاعر، الأول يُقدم مقارنة بالغير فلو مات زوجة أحدهم يُقال له "أفا تبكي شف فلان يوم ماتت زوجته ما سوا كذا" هل كانوا يعلمون ماذا كان بينه وبين زوجته من حب وودٍ واحسان؟ ربما لو علموا لصمتوا! الأول يُصغر الأمور فلو مات فرسٌ لأحدهم وبكى لذلك قد يقال "تبكي عشان حيوان؟"
الثاني، يعجل الفرد في حالةٍ من الهشاشة مستقبلاً فلا تكاد تمر عليه مشكلة صغيرة إلا ويسقط منها ويكون الأثر عليه أكبر من حجم المشكلة فعلاً، كالذي يُجرح جرحاً طفيفاً فتراه يذهب للطوارئ وينتظر ويبذل الوقت والجهد وربما كان المستشفى بعيداً وفي نهاية الأمر يوضع عليه لاصقٌ كان يقدر عليه في منزله!
والسؤال هنا كيف نتعامل مع المُشكلات؟
قبل الإجابة لابد من توضيح أمر،
كل إنسان مختلفٌ عن غيره في كل شيء، فما كان من أمر يسير عند أحدهم فقد يكون صعباً عند الآخر، فلا يوجد حلٌ واحد لكل مشكلة أو طريقة للتعامل معها، فربما يكون فردين الأول توفي والده وهذه أول مشكلة له، لكن الثاني طُرد من عمله وبعد مدة مرضت أمه ثم وقع حادثٌ مروري له أتلف سيارته وبعد مدة توفي والده الذي كان بمثابة الصاحب له، الأحوال تختلف، السياقات تختلف، السمات الشخصية لها دور في التعامل مع المشكلات.
الجواب
إذا وقعت المشكلة عليك بالخطوات التالية:
أولاً: قف قليلاً وفكر بحالك ومكانك، فقط فكر لا تقم بأي خطوة ولا قرار، لا تفعل أي شيء، والهدف من ذلك هو إعطاء مساحة حُرة للعقل للتدخل وتقديم أمر يساعد في التعامل مع المشكلة، فلو أن رجلاً كان في المقهى وجاءه الخبر لحادث أخيه ثم انطلق مسرعاً دون تفكير وأخذ يقود بسرعة وربما يتسبب بحادثٍ آخر وغيرها وحينما وصل وجد أن حال أخيه لم يكن يستدعي ذلك، وأذكر قصة أحدهم اتصل به ابن أخيه لمشكلة وقعت له وكان هو في مجلس وحينما سمع صوت ابن أخيه قال بنبرة هدوء "أنا في مجلس رجال شوي وأكلمك" وسحب نفسه من المجلس بعد ثواني واتصل عليه.
ثانياً: فكر فيما أملاه عليك عقله بعد التفكير الأول وأي الأمور التي يجب عليك فعلها بالتتابع.
ثالثاً: أعط المشكلة حقها من المشاعر "تبي تبكي؟ ابك" تبي تقفل جوالك وتبعد عن العالم ومالك خلق، سوها" تبي تطلع مع خويك اطلع" لا تتشاغل لتبعد الفكرة، لا تقل " معليه ببعد التفكير بالشغل" هذه الطريقة صحيحة لكن ليست الآن، الآن يجب أن تعطي مشاعرك حقها ثم بعدها "كمل شغلك" لذلك قالوا (العزاء بعد ثلاثةٍ تجديد للحزن) أي بعد ثلاثة أيام، فالمعنى أنه احزن في هذه الأيام ثم اذهب لترتيب أمورك وعد، ودع عنك "خلك رجال" أو "أنت تقدر تتخطى معليك" نعم صحيح لكن ليس وقتها الآن هذه لاحقاً قلها وفكر بها، أنت بهذا كالذي يقوم سأذهب للصحراء في فصل الشتاء دون حطب ولا رداءٍ ثقيل وتقول "معليك أنا رجال بتحمل"
رابعاً: عد بعد إعطاء حق المشاعر وفكر في المشكلة ذاتها وتفاصيلها لتصل إلى ما تريد إما الحلول أو طرق للتعامل، لكن احذر ثم احذر أن تجعل شعور الحزن أو الضيق هو المستمر دون التوقف للتفكير فيه.
الخلاصة
لا تقاوم ولا تدعي المثالية فهذا زيفٌ لن تجني منه خيراً في المستقبل، ولا تسمح لنفسك بتضخيم المشاعر، أعطِ كل جزء في المشكلة حقها لتعيش بهدوء وتقلل من المضار منها.