هناك في الأقصى

هذا موجه لك أنت صديقي الذي ترى ما يحدث في الأقصى، فأسمح لي بالغوص في حالك قيلا، فأنا مثلك!!!



إحساس النقص وصراع المشاعر هو ما أكتبه في هذا المقال

لن تقرأ في هذا المقال تحليلاً سياسياً عن الوضع الراهن في فلسطين، من المخطئ والمصيب، الدوافع وردود الفعل، آراء المجتمع الدولي وازدواجية المعايير، أو ما يجب فعله للخروج من هذا هناك، أو كيف نعينهم ونحن هنا، أو ما يجب قوله لتثبيت حق الفلسطينيين في فلسطين!!

هنا سرد للمشاعر؛





هناك في أرض المُقدّسِ الثالث للمسلمين، في أرض المسجد الأقصى، فلسطين،

ولدت أجيالٌ في سجن مفتوح، وأمهاتٌ يضعن أولادهن بعد تسعة أشهر من عناء الحمل وحماية نفسها لا لأجلها بل لأجل الطفل فهي قد أمنت له ما يحتاج من الزاد لكن لا تعلم متى تصيبها طلقة أو تسقط فوق رأسها صخور المباني ثم يموت!، بكاء الطفل حين الوضع مدعاة للفرح لكن الأم تعلم أنه ربما يكون البكاء الأخير لمناسبة سعيدة فالصرخات والبكاء القادم مختلف، وربما تسمعه أو لا تسمعه فلا تعلم من يسبقه قدر الله!!! ولو عاشا سوياً إلى أن يقوى فالأم طول المدة لا يهمها نومه بل تسأل هل سيستيقظ غداً لأراه أو سأستيقظ أنا؟! أول مرة يفضل الإنسان رغبة الاستيقاظ على النوم الهني!!!

شباب يحلمون كأقرانهم على الأرض والاختلاف أن هنالك من يحلم ليستمتع بالحياة ومن يحلم بالبقاء، يضحكون ليس بحقيقة الضحك كي لا تُمحى من الأوجه مهارات الضحك وحين يأتي وقتها لا يعرفون كيف يضحكون، يضحكون لإيجاد سبب آخر لدموع العين!، يضحكون علّ مشاهد الضحك تأتي يوماً.

الشيوخ تقوست ظهورهم ليس هرماً، إنما شكلوها في شبابهم وبقيت كأقواس صيد يرسلون دعائهم ليلاً لربهم ونهار يقذفون الحجارة على عدوٍ يواجههم "برشاش" والعدو يهرب خوفاً!!، تجاعيد الوجه، بياض الشعر، سقوط الحاجبين على العينين، رجفة اليدين واخضرار ظهرها وتيبس باطنها، كلها تخبر عن رحلة قصصية طويلة يعجز أي مخرج عالمي عن حصرها في فيلم ولا يعلم هل يكون "درامي، أكشن، ربما خيال أو الفانتازيا أفضل" لكن النهاية معروفة، لا حياةٌ ولا نجاة!!!

النساء صرخوا حتى ظن السامع لهم أنهم خلقوا هكذا بصوت الحزن، هن الوحيدات القادرات على سرد القصص الممتعة بحزن. ألم تسمع ذلك يوماً؟! حسناً أنصت لإمرأةٍ من الأقصى!، وأما الطلم فهو حالهن مع علمهن أنه يفضل تركه لكن هو المُصبّر الوحيد، تدور في الساحة بين الجموع تصرخ وتصرخ والقول الأكبر لها يالله بصوت تسمعه وأنت في أقصى البقاع ولا تسمعه بأذنيك بل يضرب قلبك محدثاً نغزةً أقوى من ضرب السيوف عليك!

الشجر ينبت معوجاً ويسعد بذلك هو فقط يريد أن ينبت حتى ولو بعيب خُلقي! يريد أن يؤدي دوره، أن يكون ظلاً للناس ويقصدونه في طيب الثمر، فلا صار ظلاً ولا بقي لاكتمال نضوج الثمر فيأكل الناس، فالموت له أيضاً كان أقرب ولو كان عوده لين وورقه أخضر، الحجر هناك له استخدامان رئيسيان والباقي من الثانويات، للبناء ويسقط في أي وقت ولرمي حاملي "الرشاشات وقائدي الدبابات" ذلك الحجر يرمى لمسافات طويلة ليس لصغر وزنه وحجمه بل لأن الأيدي قويت على ذلك.

جميعهم بلا استثناء يعيشون في دورة حياة تختلف عن بقية العالم، فهم يرون الدماء وأجساد أقرب الأقرباء ممزقة بجانبهم، لن تجد فرداً منهم لم يمت أو يصاب له عزيز، رُضع تطايرت أجسادهم الصغيرة، نساء اختلط الدم بحجابهم، رجاء ثقبت أجسادهم من الطلقات، عوائل لم يجدوا أجسادهم فهي تحت الركام من القصف، لا يهنأ لهم شيء وحتى لو ابتسموا يوماً فوالله "مجاملة" أو أن سعادتهم أنه انقضى يوماً دون موت.





 

المشاهد تلك كثيرة وليست ليومٍ أو يومين، سنواتٌ وأجيالٌ عاشوا على ذلك، ولا أعلم صديقي ماذا أكتب ومن أين أصور المشهد لكن أعلم أنك تعلم وتشاهد وتقرأ أخبارهم، وإني أكتب لك الآن وأنا في ظل عاصفة من المشاعر وبأفكار لا أعلم كيف أمسك واحدة منها وبرجفة يدٍ أحاول تهدئتها باليد الأخرى وعينانِ تلألأت بالدمع أحاول جاهداً أن لا تسقي  الخد ولا أتلفت حياء ممن بجاني في المقهى ثم يقولون: ماذا يُبكي الرجل!!!!!!!

 


 

 

أنا هنا مثلك، أشاهد ما يحدث هناك، أعيش بعثرة الأفكار والمشاعر، أعيش بنقص الأفكار وكأني "لا أستحي"، أنا مثلك أذهب لمقهى وألتقي بالأصدقاء وأضحك وربما ذهبت للسينما، أنا مثلك اليوم أتحير في اختيار المطعم ولا أريد تكرار ما أكلت منه قبل يومين، أنا مثلك أنام لساعات وأستعد ليلاً لحضور زواج صديق، أنا مثلك ربما التقطت "صورة لي من مراية المقهى!" وهاتِ كل أشكال الحياة المختلفة بيننا.

 



ثم أنت في ظل هذا وذاك وأنت تتناول وجبتك اللذيذة والتي صورتها "على سناب" ترى مشهد الأب الذي حمل أطفاله في أكياس! أو ظل زحمة أعمالك ترى مجموعة من الناس قد أمسكوا رجلاً يصرخ هنا وهناك ثم ينطلق لأبنه ويقول له "مو قلت لي بتكون طيار!" والابن لا يسمع فقد مات، أو تمسك هاتفك ولتوك استيقظت وترسل للأصدقاء "وعدنا يا جماعة المقهى الفلاني بكرة الساعة كذا خلونا نشوفكم" ثم ترى المشهد الطفل الذي رجف كل ما فيه فهو قد استيقظ على صوت القصف والذي يُطمأنه يقول له "خلاص خلاص ما تخفش خلص القصف!!!!!!!!!!!!!!!!" أو تجتمع مع العائلة بهناء ثم ترى مؤتمراً صحفياً ولقاء تلفزيوني عاجل لكن الحضور هي أجساد من تم قصفهم!



 

أنا مثلك لا أعلم ماذا أفعل، نريد فعل شيء، لكن ماذا؟ لا نعلم، تحس "بغبنة وقهر بداخلك" ألم ووجع ليس لأنك تعرضت لأذى ملموس لا بل لأن عينك رأت وقلبك أحس لأنك مؤمن! تحس أنك مذنب ومرتكب لكبيرة لأنك تعيش كما تريد حياتك المعتادة وهناك من تحبه يألم أمامك وأنت لا تستطيع فعل شيء، وكأنك ترى أمك تساق لغرفة العمليات لإجراء عملية ربما لا تعود بعدها!





صديقي تمسك بهذا الشعور فهو الأمر الوحيد بين يديك الآن وهذا هو يطلق لسانك بالدعاء، هو الذي يعيدك لحقيقة حياتك وماهو المهم وهاهو الذي كنت تعتقد أنه مهم، هذا الشعور هو المُرتب لأولوياتك فما كنت تجعله أعلى القائمة ينخفض ليستقر في مكانه المناسب، هذا يجعلك تقر بـ"إذا اشتكى منه عضو تداعا له سائر الجسد بالسهر والحمى".





 

ولتعلم يا صديقي أنك تملك ماهو أقوى، الدعاء الصادق، فادعو ثم ادعو وابذل أسباب الإجابة واستغل أوقات الإجابة، ولتعي أن الله لا يترك عباده ولتعلم أن الجراح مهما بلغت فعند الله عوضها، وعند الله عذاب أليم للآخرين.


انتهــــــــــــى

الخميس

2023/10/19 – 1445/03/06

01:45 AM

وسم الشاي – الطاولة الخارجية 4




شكراً على وقتك اللي خذيته في قراءة المدونة

أسعد جداً بتعليقك ومشاعرك على مواقع التواصل الاجتماعي

وما تنسى تشارك النص مع من تحب

Join