الرحلة J9 222

ربما كان آخر لقاءها به يوم وضعته!

ضُحى الخميس هو الموعد المحدد لإقلاع الرحلة من الرياض إلى الكويت في أول زياراتي لها، كنت في صالة الانتظار قبل الرحلة بثلاث ساعات لا خوفاً من فوات الرحلة بل لدي بعض المهام أنجزها فاخترت إتمامها في صالة المطار، وتأخرت الرحلة ولم نُقلع إلا الثانية ظهراً





أغلقت جهازي وانطلقت أسير متأملاً أوجه كل الموجودين في الصالة، ما بين راكض للنداء الأخير، وعائلة تجر أطنان العفش، وكبيرُ سنٍ تائه، وأطفالٌ يتلاحقون، وموظف بجهازه يتحرك كالنحل هنا وهناك، ورجل استغل الانتظار بالقراءة، وفي الزاوية هناك مُرهق قد جعل المقاعد فراشاً له، وفي كل نظرة لك ترى مشاهداً جميلة، مشاهدٌ لو أطلقت عقلك في واحدٍ منها وغصت فيه لربما فاتتك الرحلة!!!





طال الانتظار وكان المُصبّر الوحيد ربما هو تجربة السفر الأولى، فلم أجزع أبداً ومن حولي بدأوا يحسبون الخسائر التي عليهم لقاء التأخر لأن لديهم رحلة أخرى جدولها على أساس الإقلاع في الوقت المحدد، وقبيل الركوب تأملت المسافرين، كُلنا إلى وُجهة واحدة، الجميع سيمر بكل إجراءات الدخول بلا استثناء، وهذا الظاهر لكن كل فرد منهم يحمل قصة مختلفة عن جاره في المقعد، هذا يحمله الشوق وهذا ربما لعمل وآخر ينطلق في رحلة جديدة عنوانها الاغتراب وهناك من يعود لأهله بعد تجارب لم تنجح وعائلة في الجانب الآخر ستزور أقاربها، ولو كنت من صُناع الأفلام الوثائقية لخرجت بقصص عظيمة، وهذه فقط عن الركاب فما هو شأن طاقم الطائرة!؟





المقعد بجانب النافذ، كان لابد أن أستأذن كهلةً للمرور أمامها، جلست ووضعت الأغراض بالمقعد الفارغ بجانبي، رفعت بصري لها وابتسمت لابتسامتها، تأملت وجهها بتجاعيده التي تحكي قصصاً الكفاح، بلباسها التقليدي وغطاء الرأس الأحمر جلست ربما كانت وحيدة في هذه الرحلة، لا أعلم، دار بيننا حديث غير مفهوم فهي تحدث لي ولم أفهم ورددت عليها بنعم وابتسامة





غيرت نظري لهاتفي لإرسال الرسالة الأخيرة قبل الاقلاع، أعدت نظري للمرأة دون اشعارها بذلك، مرخيةً رأسها على الهاتف وتمسح على صورة فيه وطال هذا الأمر، رفعت رأسها ولمحت طرفاً من عينها وقد ملء بالدموع، أبعدت يدها ورأيت الصورة، طفلٌ قد أخذ نفس لون بشرة المرأة، بزِيّه الأصفر وشعره المائل لليمين وابتسامته الآسرة التي اعتلت وجهه كانت تريد حدوداً أكبر من شفيته لتكبر!، أخذت نفساً وظلت تمسح وتهز رأسها.






لم أعي أني أطلت النظر فالتفتت إليه وأشارت إلى الصورة ووجها يصف معنى الاشتياق، لا أعلم من يكون ابنها؟ حفيدها؟ ربما تبنته أو رعته! قد يكون حياًّ أو ميتاً! ربما آخر مرة رأته حينما وضعته!، بحركتها كأن الذي بين يدها ليس الهاتف بل هو الطفل كأنها فعلاً تتلمس وجهه وتحرك شعره كأنه واقفٌ أمامها ترتب له لباسه، كأن انتقلت من مكانها إليه تنظر إليه تُحسه وتشعر به.






مالذي كانت تفعله تلك؟ ربما كانت هذه الحالة الوحيدة المُصبّرة لها وهي تخيل الإحساس، إحساس وجوده، ذلك الإحساس الذي يعينها على قطع المسافة والوقت الطويلين، وربما هو علم بأنها قادمة ففعل نفس ما تفعل؟ ربما كان بينهما تواصل بهذه الطريقة دون أن يعلمان، ربما كانت روحهما هي المتواعدة والمتفقة على هذه الحالة!؟ الكثير والكثير من ربما!!!







المؤكد أنها فعلت ذلك لحين القاء العظيم، اللقاء الذي سيكون عنوانه الحضن الكبير وتفاصيله الركن لتصادم الأجساد والدوران وامتلآء الأكتاف بالدموع.







انتهــــــــــــى

الخميس

2023/9/21 – 1445/03/06

07:25 PM

مكث – الطاولة الطويلة ثاني مقعد من اليسار


شكراً على وقتك اللي خذيته في قراءة المدونة

أسعد جداً بتعليقك ومشاعرك على مواقع التواصل الاجتماعي

وما تنسى تشارك النص مع من تحب

Join