الكاتب المُعد للقهوة
نهاراً يُعد القهوة بمهارةٍ لا تقل عن مستوى قلمه إذا خطه على الورق، دائم الابتسامة ليس تصنعاً أو لأن عمله يتطلب ذلك بل هي طبيعته، ابتسامته ليست تحايلاً على وضعه الحزين ومشكلاته المتزايدة مقتنعٌ أنه انسان ولابد من المشاكل ويقول: أَأُذهب وقتي بالحزن والكدر!؟ إنه لضياع كبير! ليلاً على مكتبه مُمِيلاً الورقة يميناً وممسكاً القلم يكتب أمام الورقة وضع كوب من شاي الياسمين فقد اكتفى من القهوة صباحاً، ويساراً الإضاءة الخافتة.
هذا عثمان
ابن القرية التي أتى إلى الرياض قبل سنة، لم يأتي لأجل فرصة عمل كبيرة كما يفعل كثير من الناس، بل من أجل العمل في المقهى براتب متوسط وهذا الراتب بالنسبة كثير على احتياجه فهو لا يخرج، النهار المقهى، الليل المكتب،
حينما تراه في المقهى وكأنه سيد الشخصيات الاجتماعية،
يضحك ويتحدث ومهاراته في التواصل عالية ويعرف الطرق الصحيحة للدخول مع أي شخصية في نقاش!
تتوقع من ذلك أن شخصيته ما بعد النهار هي كسابقتها
ولكن ما أن تعرف جدوله الليلي إلا ودارت فوق رأسك علامات التعجب والتساؤلات قد ملأت عقلك ووجهك يوضح الاستغراب.
شخص دخل صباحاً للمقهى وطلب،
سمع عثمان صوته فعرفه، فمستحيل أن ينسى صوت جاره وقال: "والله ما تدفع وينزلك أحلى فلات وايت" ثم التفت وعرفه الشخص،
عانقا بعضهما ثم أعد طلبه وجلس يتحدث معه، قصص الطفولة، المدرسة، القرية، وعن كل شيء قد تشاركا فيه،
ذلك الشخص يعرف طبع محمد لكنه سأل عن امكانية لقاءه بعد عمله للعشاء وغيرها فربما تغير الطبع،
أجاب: "تعرفني يبو محمد"،
فهز رأسه مبتسماً وقال: "يلا وش نسوي ما بضغظ عليك لكن ان شاء الله تتغير"،
ضحكا وودع كل منهما الآخر،
وعند الباب قال أبو محمد: "أقول انشر انشر كتاباتك نبي نشوف لك كتاب بجرير" ثم مضى.
في الخامسة والعشرين من عمره
، بدأ الكتابة من قبل المدرسة ولم يدخل الصف الأول إلا وهو متقنٌ للأحرف وتركيبها بل ويستطيع كتابة أسطر قليلة من تعبيره دون خطأٍ املائي، انهى الابتدائية وقدرته في الكتابة الأدبية تفوق مستوى دكتور جامعي!
وفي سنة يزيد مستواه الكتابي،
كل نصوصه لو نُظمت في كتب لأصبحت أفضل ما انتج في الأدب والقصة والرواية بل لتصدر هو قائمة الأدباء،
لكنه مع ذلك لم ينشر ولو سطراً من كتاباته ليس لشعوره أن مستواه قليل بل لا يشعر أن الوقت مناسب.
عاد ليلاً لشقته وما أن جلس على مكتبه إلا وظهرت جملة "أبو محمد" الأخيرة في عقله،
وأخذت فكرة النشر تدور في عقله نصف ليلته،
ارتشف قليلا من الشاي وحينما أحس ببرودته أدرك أن الوقت مضى ولم يكتب سطراً واحداً،
تدارك الموقف وطرأت في عقله فكرة لنص جديد وأتت الفكرة من حوارين الأول كان مع شخص دخل المقهى وتحدث معه وعلم أنه ساكن لوحده دون أهله كحالته، والآخر كان مستمعاً غير مباشر فيه فأحد زملاءه تحدث للآخر أنه أم صديقه توفت اليوم!
مزج الحوارين، وكانت فكرة النص تدور حول شخص بعيدٌ عن أهله ويتميز بشخصية هادئة قادرة على التحكم في نفسها ومواجهة المشاكل والتحديات والأحداث والمصائب بكل هدوءٍ وتروي،
وهذا الشخص تموت أمه التي كانت بالنسبة له كل شيء، تموت وهو بعيدٌ عنها،
صاغ عثمان الفكرة والأحداث بكل براعة كعادته وكتابها في ٣٠ صفحة،
لكن هنالك شيءٌ مختلف في هذا النص وقد لاحظه بعد مراجعته للنص،
الحبكة الدرامية جديدة غير التي يكتب بها،
دقات قلبة طوال الكتابة كانت قويةً غير المعتاد،
يداه ترتجفان،
أحس برغبة في البكاء،
وأقر أن يعيد قراءة النص غداً فعيناه قد أتى وقت اغلاقهما.
صباحاً في المقهى وصلته رسالةٌ من أخيه وفيها:
عثمان أمي توفت!
توقف قليلاً
وضع الهاتف على الطاولة
وأغمض عينيه،
أتاه الذي أتاه البارحة،
رغبة البكاء أتته مرةٌ أخرى،
استعاد نفسه وأكمل يومه في المقهى يضحك ويتحدث كعادته،
عاد لشقته ليلا، جلس على مكتبه، أغمض عينه،
وهنا أيقن أن الخبر الذي أتاه صباحاً صحيح وليس كما يظن
أن شعور النص هو الذي أتاه لأنه لم يعالجه فوراً حينها،
سافر لقريته ودفن أمه ثم عاد ونشر كتابه وأول نص فيه ما كتبه أخيراً…
شكراً على وقتك اللي خذيته في قراءة المدونة
أسعد جداً بتعليقك ومشاعرك على مواقع التواصل الاجتماعي
وما تنسى تشارك النص مع من تحب