التجربة المتجددة

حج 1439هـ



اكتب لكم حروفي وانا على متن الطائرة المحلقة الى مشاعرٍ سيغطيها البياض الأعظم بعد أيام ،شوقي للوصول الى تلك البقاع كبير ومشاعري الان هي عبارةٌ عن أوراقٍ مبعثرةٍ على مكتبِ كاتب حاول جمع أفكاره.

خدمة ضُيوف الرحمن ،هي السنة الخامسة في مشاركاتي بالخدمة.

هي الوحيدة التي استطيع أن اطلق عليها التجربة المتجددة ،كيف!!؟ هي نعم تجربة تتكرر كل سنة ولكن كل سنة منها تختلف عن الأخرى في كل شيء ،والتفاصيل كثيرة لأذكرها لكن سأدعها في المدونة القادمة.

كفاكَ تلك الدعوة من ذلك الحاج ،وتلك الابتسامة من العجوز الكبيرة رغم الحر الشديد ومرضها الذي لا معنى له في تلك اللحظات ،وتلك الدموع التي خرجت من قلوبٍ حامدة لله على ان يسر لهم ومتيقنةٍ أن الله لن يضيع لهم ما علموا.
.
ربنا تقبل منهم وقونا على خدمتهم وتقبل منا



اليوم الأول

المعسكر بعرفات والمسح بمنى ،شعور رائع يصاحبه نسمات صباحٍ هادئة من المشاعر المقدسة انطلاقاً من عرفات ووصولاً إلى منى لمسح المنطقة ( التعرف عليها ) مشياً على الأقدام.

كنت فعلاً أرجو أن أكون في معسكر منى الجبل ،لماذا؟! فقط لتجربة سابقة، فأحببت المكان رغم ما كان عليه في تلك الفترة من قلة تجهيزات ( مكيف صحراوي يطفى الظهر ،غرفة كانت بعرض مترين وطول ستة أمتار ) وغيرها من الأمور التي قد تجعل تكرار المبيت في منى أمراً غير مرغوب، لكن بالنسبة لي فقد كان جمالاً سكن القلب.

وأنا أسير في شوارع منى لم يتوقف عقلي من التفكير وتذكر تلك اللحظات الجميلة للسنوات السابقة ،وكل ما مررت بمكان كانت به حادثة معينة أتوقف متأملاً تلك اللحظات ،نعم ! كانت متعبة جداً لكن ابتسامة واحدة من ذلك الحاج هي من جعلت التعب كله سراب.




اليوم الثاني

قد تتشابه الأيام في تفاصليها العامة لكن لكل يوم حدثٌ وتفاصيل خاصة تختلف عن سابقها.

اليوم أجمل بكثير من الأمس ،التناغم السريع الذي حصل بين الشباب، معرفة الفكرة العامة ،طريقة العمل ،كل هذا جعل سير العمل بسيط بل ممتع ،والأجمل "الفصلات" التي تصدر من الشباب بسبب طول المسافة هذا ينكت وهذا يغني وغيره ممن يضحك ضحكاً هستيرياً بدون سبب !! كل هذا من أجل اشغال العقل عن التفكير بالتعب .

في وقت الانطلاقة قسمنا المجموعة الى مجموعتين أصغر وكل مجموعة منها عليهم قائد يرسم خط سير المهمة للذهاب والعودة ،عينا قائدنا "الموووقر" العجيب ان له في العمل فقط يوم واحد وهذا الثاني و قد تعلم كل ما يهم لمعرفة طريقة استخدام الخريطة ،سألته "شكلك مضيعنا يا قايد" قال: "أفا عليك مع القايد العظيم أنت وخر عني!.

أعتقد أن زرع الثقة لدى الأفراد وزيادة التناغم فيما بينهم مهم لإظهار مواهب الأفراد ،وعلى كل قائد

(التفويض والتحفيز ).




اليوم الثالث

بدايات اليوم كانت بنسماتٍ باردة جميلة ،فاجتمعت روعة المكان وجمال الجو.

نسير في شوارع منى بين المخيمات الخالية والتي ستكتظ خلال أيامٍ قليلة بملايين الناس القادمين بلهفة ،اليوم كان أجمل لأن جميع الفرقة كانت تسير في مجموعة واحدة من بداية خط السير الى نهايته والمسافة اليوم كانت اطول.

كنت أحدث مع  أحد الشباب وسألته عن شعوره فقال بنبرة صوت مشتاقة ،ما أجمل رؤية الحجاج .





اليوم الرابع

يوم استثنائي ،وبدايةٌ صباحية حماسية مع الأجواء الجميلة ،خرجنا بهمتنا العالية وركبنا الباصات من عرفات الى منى ،وصلنا منى وبدينا بمسح المنطقة وذلك بتقسيم الفرقة إلى مجموعات صغيرة.

أما الفترة المسائية ابتدأت بتحقيق لقب
 خطيب المعسكر ،ثم انطلقنا بعد صلاة العصر ولأول مرة خلال المعسكر بالمسح والتدريب في الفترة المسائية ،رغم أن درجة الحرارة عالية في العصر إلا أن جميع المعسكر متحمس وبالنسبة "للصيحات" ( الأهازيج ) فكل فرقة تعلوا أصواتها وحماسها وتصفيقها.

مشعر منى في الفترة المسائية مكتظٌ بالأشخاص العالمين في خدمة الحجاج من كل القطاعات ،وغير ذلك أنك ترى الحجاج الذين قدموا للمشي وإلقاء نظرة على مشعر منى وعلى مخيماتهم ،ابتسامتهم التي تعلوا محياهم عجيبة ،فقط أرجو أن أستطيع الدخول لعقولهم لمعرفة في ماذا يفكرون




اليوم الخامس

خرجنا في مجموعة واحدة لمعرفة المسار المخصص لنا في عملية التفويج ،المسار من نقطة الانطلاق طويل ومشينا قرابة "٩ كيلومتر" وكان هو أطول مسار في فترة واحده ،ظهر هنا من لديه القدرة والقوة على تحمل التعب والمسافة ،الشيء الجميل ان كل الشباب أرهقوا لكن الغالبية تحاملوا على أنفسهم ولم يظهروا ذلك.

الفترة المسائية قَدمتُ لقاءاً بعنوان "المتحدث البارع" رغم كل الظروف التي حصلت لكن ولله الحمد أقمنا اللقاء بشكل جيد

(من حضر اللقاء يعلم حجم المعاناة التي حصلت) ولعلي سأتحدث في ذلك فيما بعد!!! ،أعترف أن المشكلة التي حدثت حققت لي فوائد كثيرة وكما قالوا "خيره".

انطلقت فعالية الحفل الختامي لمعسكر عرفات بكلمة قدمتها بالنيابة عن الجوالة ، "يدٌ تعطي وأثر ٌ يبقى" ذلك هو نبراسهم ،أتو من أجل حاجة وهي خدمة لبوا النداءَ وأتو من كل فجٍ عميق.

كُرمت المجموعة وحصل بعض الشباب على التميز في بعض البرامج المقامة في المعسكر ،عدنا بعد الحفل لتجهيز الأمتعة استعداداً للذهاب غداً إلى منى والمبيت فيها والعمل هناك.

فتنتُ بهم ،جوالة جامعة الملك سعود ،لا أعلم مالذي جعلهم يستوطنون مكاناً في قلبي فقد احتلوه كجند الإحتلال ،لكن ما أجمله والله من احتلال ،أحِبكم والله يشهد.

أريدها سراعاً أن تأتي تلك الأيام التي تمتلئ فيها المشاعر بالملبّينْ لأرى تلك الابتسامات على وجوههم وتلك الدموع التي تذرف من القلوب وليس الأعين من أجل طلب المغفرة ،ولا أريدها أن تنقضي ،أريد أن أشهد كل قصة في تلك الأيام لكن أعلم أني أطلب المستحيل .

اليوم السادس

Join