القيمَة الُمحصّلة: صِفْر.
الحقيقة الغير مُريحَة، هكذا وصفها مارك مانسون مؤلّف كِتاب فن اللامبالاة وكتابه الجديد خراب. حيث وُجِدتْ هذه الفكرة مُنذ زَمن سحيق، وترعرَعَت في عقول الزهّاد ومن يعرفون حقيقة الحياة على وجهِ اليقين. من يستطيعون قَولَها دون أن يشعُروا بِثقلٍ في أنفُسهم. عِندَما أرْبَك المفكّر نيتشه الكثير من الفَلاسفة، بطَرحه لفكرة العَودُ الأبدي، حيث التّكرار هو السِّمَة البارزة في الحياة الأُخرَوية التي لا نعلَم عنها شيئاً. ولكن في ذات الوقت، تُثبت -بشكلٍ مُحبط- للذين يعتَنِقون مذهَب الطبيعة أن ما هُم عليه الآن بلا قيمة، لا شيء مما يفعَلُونه الآن ثابت وباقي، كأنّ كُل ما يطمحون إليه ويُشيدون به ويُريدون الحصولَ عليه في إطار زمنهم الأرضي ظرف طارئ أو بِثرة نبتَتْ على وجه مراهق ثُم اختفت بعد مدة قصيرة، وكأنها لم تكن قط!
ما نفعله الآن هو مُحاولات مُستَميتَة لإزاحة فكرة أننا لا نعيش ككائنات بلا قيمة، وأننا نحدث تأثيراً حقيقياً في مسار التاريخ والعالم، ولكن أيُّ عالمٍ وأيُّ تاريخ؟ وهما الاثنان مُحصّلة قيمتهما صفر؟!
لا شيء يعني أي شيء. لا شيء في حقيقة الحياة المجرّدة ذا أهمية فعلاً، كل ما نفكر فيه أو ما نفعَلُه أو نُوهِم ذواتنا الداخلية بأننا نستحقه هو لاشيء. اعتنى الفيلسوف ميلان كونديرا بمثال واحد حقيقيّ ومرّ للغاية في وصفه لمحاولاتنا المُضنِية لتجنب فكرة العدم، حيثُ وصف الحياة كحربٍ بين مملكتين افريقيتين وقعت في القرن الرابع عشر، فما غيّرت في وجهِ التاريخ شيء. مع أن من المحتمل أن يكون آلاف الزنوج قد لاقوا حَتفَهم في الحرب بعد سنوات من التخطيط والتدريب وإنفاق الأموال، حتى وإن افترضنا أن هذه الحرب قد تكرّرت آلاف المرات في ذلك العَصر، هل كان سَيَحدُث أي تغيير في دفّة الحياة؟ سأل وأجاب حينما قال أن ما سيحدُث هو تراكُم الجَماجم واصطفافها ستة أقدامٍ تحت الأرض، وَتَفاهةٌ ستكون قد اتّصلت في تلك الفترة بلا توقفْ.
قد يكون هذا الطّرح، وهذه الفكرة، هي العمود الأساس لصحة الأديان. أو أي أيديولوجية تستنبط وجود ثواب وعقاب في الحياة الآخرة. بل الواقع يقول أن فِكرَة العَدَم هي من أكبَر وأقوى الدّعائم التي يستعملُها المبشّرون والدعاة لاستِمالة البشرية في صفوف أديانهم. والواقع يقول بكلّ صدق، أننا دائماً بحاجة إلى تصديق وجود ذاتٍ عُليا، نعرفُ أنّها لن تُساوي مصيرنا بمصير البهائِم، وإلّا فَلِمَ خَلَقَت لنا العُقول؟