أن ترقص على إيقاع وحدتك


أن ترقص على إيقاع وحدتك. عنوان مدونة لا تنتمي إلى مؤسسة التنظير الكتابية. أوه! كم اكرهها! أنت تعرف، عبارات مثل: “يجب ولا يجب”. مفردات خطب الجمعة الرنانة. “من الجدير ومن السيء”. كلها صيغ لن تجدها هنا! ولا أدري في الحقيقة أستجد سريالية هنا أم لا. على العموم حاول أن تستمتع.

أن ترقص على إيقاع وحدتك، ليس بالضرورة أن يعني شيئاً جميلاً، أو حتى سيئاً. بمعنى آخر لا يوجد ما هو أفضل أو أسوأ للعيش بمفردك. صحيح ان الانسان كائن اجتماعي، واحدة من اساسيات صحته النفسية الشعور بالانتماء والاكتمال بأفراد جنسه. إلا ان الكثير أثبتوا أن عكس هذه القاعدة عامل فعّال بل وبديل للاختلاط الاجتماعي بالبشر.


ذلك الإحساس بالارتباط، بالاستغراق في العالم، في الكينونة الواحدة، ليس شرطاً أن يُحَقَّق بوجودك الفيزيائي وسط الناس. أستطيع، تستطيع، ويستطيع أي فرد يعرف ذاته حقًا أن يلامس حجر الفكرة القائلة بأن صمت العزلة أريكة نوم مريحة. صوت الملاعق على صحنك في البهو الخالي، ليس دليلاً للوحشة إن لم ترها كذلك. أن تنم، تستيقظ، دون أن تسمع صوت أحدهم، أشبه بإغفاءة واعية عن كل ما هو ماديّ، مزعج، محسوس ويكاد يعكّر صفو الروح النقيّة.

كانت روح المنفلوطي تقتات على الوقت الذي يقفل فيه بابه، ويعتزل فيه الناس. كان يرقص على إيقاع وحدته، دونما خوف من النسيان. فأن تخافه، يعني أن تتشبث بالبشر كقرد، تطلب الذكر وتنسى نفسك.

ثمة أصالة في كونك خفيفاً من وصلات الكائنات الحية. أصالة تكاد ترتقي روحانيتها لمستوى ملائكيّ علويّ.

من شأن العزلة أن تكشف عن نفسك كثيرًا لا تكشفه اجتماعيات عديدة. العزلة وسيلة ليست لإعادة تعريف شخصيتك فحسب، بل لإعادة النظر فيما تريده من الحياة. إنها جحيم لمن لا يعرف كيف يصادق نفسه، وجنة لمن عَرِف.

كأن تشهد تعرّي روحك من ملوثاتها، أن تغتسل، وتتطرّف في البُعد عن الملامسة والاتصال الجسدي. أن تصبح واحداً مع الصمت، وصديقاً للفراغ. الخوف من العزلة خوف من الذات، خوف من مصارحتها.

أن تكون واديًا. صحراءً أو سماء. أن تكون فضاءً فسيحًا. أن تكون شجرة. أرض خضراء. كل ما هو حولك دائرٌ إلا أنت. تستلقي منتشيًا باخضرارك السريّ. بسعادتك الصغيرة المحفوظة بين كفّيك. البشر يفسدون الأشياء الجميلة. وأنت، في لحظة صافية، تطمئن على خرافك الخياليّة، ترى في نفسك واديًا تصدح فيه أصوات العصافير.



يثقلني كوني شيئًا. يُثقلني امتلاك عقلي الكثير من الآراء، الأصوات، الكلام والمَشَاهد. أشيّد حياتي بناء على محاكمات بشرية لا تنتهي. قصص مبنية على أسس رخوة وبلا أي منطق، فالجميع لديه منطقه. وأنا، أحمل كانسانٍ طبيعيّ تأويلات لكل الأفعال المنوطة بي، وكلّها تنبع من رغبات لا إرادية. أن تفعل ولا تفعل، لا شيء آخر، أنت محكوم بشهوات لا خروج عنها. أيّ عبث وأيّ فوضى.

في العزلة تستلقي كحوتٍ في بطن المحيط. تتجرّد من الكليشيه والمفروض عليك في نفس الوقت. لا تضطر لما لا تريد الاضطرار له. تغنّي وتهمس فقط. فوقك سقف وحولك محيط. إنه منزلك.


Join