لا تَبِع نفسك!
كيف يتم غسيل المخ؟
حسناً حسناً.. قبل أن نخوض في أي شيء، حقيقةً أنا لا أعرف الطرق المتقدمة في هذا الإجراء، ولكن ما أعرفه على وجه الحقيقة هو أن هناك طريقة بسيطة لغسل مخ أحدهم، أو اللعب بطريقة تفكيره دون أن يشعر بذلك على أقل تقدير.
أنا أمجد- شاب لديه مراهقة متأخرة- أنشأت حساب على منصة الانستجرام بهدف تفريغ الكبت اليومي الذي أمر فيه عبر سرقة نصوص واقتباسات أفلام وفيديوهات تلامس المشاعر الحساسة لأكثر فئة هشّة في المجتمع. -بالتأكيد- النصوص والاقتباسات لا تخرج عن مواضيع الحب والخيانة وجنون العظمة والمشاريع الوهمية والمواضيع المبتذلة التي تستدرج أغلب الشباب والبنات بسبب شعورهم الطاغي بكونهم الضحايا في هذا المجتمع المتآمر. أتيت أنت عزيزي القارئ وتصفّحت حسابي وبالفعل -كغيرك من الناس- أُعجبت بالاقتباسات والنصوص، واخترت من بينها نصّاً ترك بالغ الأثر في خُلدك ولامسه بشكل عميق حيث أنه قد تطرّق إلى موقفك الحالي بعد خروجك من علاقة فاشلة وهو :”تباً للفرص الثانية، البشر يحتاجون رصاصة بعد الفرصة الأولى!”
قمت عزيزي القارئ الفظّ والعدواني الهشّ -لِنُصدّق هذه الصفات عنك لدقائق فقط- بغرس هذا النص في عقلك الباطن، ثم قمت بالتعامل به مع محيطك-طبعاً مع الأخذ بالإعتبار أن الرصاصة هي محلّ المجاز لعدم إعطاء أي أحد فرص أخرى-. مع مرور الوقت بدأت بملاحظة أن علاقاتك قد انحدرت وأن كثير من الناس قد بدؤوا بتحاشيك والنفور منك، بل وسلك الطرق المختلفة فقط كي لا يرون وجهك. بعد فترة لا بأس بها من الوحدة، بدأت تتساءل، لماذا أنت وحيد؟ لم لا تجد من يقف بجانبك؟ في تلك اللحظة ستبدأ بتصديق أنك الشخص الصحيح الذي يتعامل مع كل الناس بصراحة لكنهم أضعف من أن يحتملوها، ثم ستضع اللوم عليهم وتبرئ نفسك بحجة انك مطّلع ومثقف وتدري بأصول العلاقات، لكن الحقيقة الصريحة الساخنة عزيزي القارئ، هي أنك شخص فظّ وعدوانيٌّ ساذج صدّق ان نصّاً مقتبساً قرأه على الانترنت أنه القاعدة والشريعة والمنهاج التي يجب أن يتمسك بها ويطبقها مع أي شخص يمر في حياته حتى ولو كان إمام مسجد حارته.
الخلاصة:
المواد الموجودة على الانترنت المملوءة بزخم التفاهات والسَّقْطات والانفعالات الناتجة عن إما مراهقة متأخرة أو مشاعر مكبوتة فُرّغت في مكان خطأ أو حتى أفكار هدّامة لا تُناسب الواقع الحقيقي إطلاقاً هي مواد يجب أن لا تُقرأ فضلاً عن أن تُصدق ويتم التعامل بها كقواعد كانط لمعادلته البشرية! حتى كانط كانت لديه انحرافات وهو الذي لُقّبَ عقله بالآلة البشرية! فما بالك عزيزي بطالب تركته حبيبته فأنشأ صفحة وضع عليها صورة -توماس شيلبي- وبدأ ينشر سمومه مع الناس.
لا تصدق أي مكتوب بين علامات التنصيص لمجرد انه مزخرف بشكل مُبهِر وأنه لامس واقعك فعلاً! ليس شرطاً مقدساً أن أي شيء يلامسُ واقعك يكون صائباً! بعض الأحيان تكون في موقف لا يسمح لك برؤية الحقيقة الحرّة ولكنك مصرّ-وما يزيدك إصراراً هو عثورك على من تَحدَّث بما يدور في خلدك والذي من الوارد جداً أن يكون بكل بساطة وساوس وأوهام- وثابت على أنك في الموقف الصحيح وأنك الضحية هنا! أنت لا تستطيع قطعاً بأي شكل من الأشكال أن تفارق صديقك ثم تنشر وتقول أن اليد الواحدة تصفق فعلاً! لا يمكنك معالجة مشكلة بمشكلة! لا يمكنك معالجة الفراق بالتشجيع على الفراق! لا يمكنك معالجة الكبرياء بالمزيد من الكبرياء! أرني المنطق والعقل والحكمة والحقيقة من كون اليد الواحدة تستطيع التصفيق فعلاً! أو تقول أن العالم مكانٌ قبيح وأن البشر يستحقون الإبادة وأنت تنفق مصروفك بكامله على السجائر! شوية عقلانية يا جماعة!
قبل أن تنشر أو تصدق ما هو منشور، نحّي مشاعرك الزائدة عن الحاجة وفكّر بعقلك.
ولا أريد لأحد أن يتحدث عن الحرية هنا، أنا لا أدعي الديكتاتورية، ولكن لا يوجد شيء داخل إطار الحرية ينص على أن لكل فاسدٍ أن ينشر فساده كما يحب دون تدخل أو إزعاج! وإن كنت ترى أن ما ينشر ليس فساداً أو ضرباً من العبث أو فقاعة كبيرة من الهراء فجرّب أن تقرأ تلك المواد أمام جمع غفير من الناس، أو تخيل أنك تفعل ذلك، ثم أخبرني عن شعورك. إن لم يمسّك الخجل أو التردد مما ستقوله، فأنا أعتذر عن كل ما قلته لك. طبعاً من دون ذكر أن تكون لديك ولدى مجتمعك ذائقة ومِزاج نفسي سليم، والتي هي في الواقع المرّ أشياء يجب المحافظة عليها من قبل الجميع! وشكل المحافظة يكون بالإسهام في رفعة الأدب الحقيقي أو في دحض ومعارضة وإزعاج أي شخص يقوم بنشر أدب مبتذل رخيص. وجود تشجيع وتصفيق حارّ على هذا الكم من الغثاء المنتشر في المكتبات وصفحات الانترنت دليل خطير على انحدار الأدب والفن الكتابي وتفشي العفن فيه.
عندك عقل، لا تملؤه بالترهات وإلا أصبح تماماً كمكب نفايات.