الطفل الذي ركض ثلاثة أيامٍ متواصلة

شيءٌ من مقدرة حكيمة عميقة وكآبة زرقاء طبعا على وجهه الناعم وعدًا يقينًا بالفراغ المحتم، فيه، حدث ارتطامٌ قويّ لم يُسمع له دويّ، بالداخل، بالظلمات، صرخ كوحوش البريّة وحطّم الفراغ ونثره بيده كرمل صحراء جافة وسماء مقطعة ممزقة لا يمكن أن ترتق، فقد غشاوته وابتسم من الخارج ومضى يركل الوحشة ككرة ويغني وحيدًا لاهثًا من الخطيئة والرغبة والطموح، شيءٌ انطفأ في عينه فلمعت لمرة أخيرة كأنها ضوء انفجار نجمٍ بعيد، تراه من أرضك فيعجبك احتراقه.


الطفل الذي ركض ثلاثة أيامٍ متواصلة وانكبّ على وجهه في النهاية يضحك ويأكل وينام هو فلسفة سرمدية سيريالية وصورة مغطّاة ببؤس مشبّع في عالم يتناسى وجوده. كثيرًا ما يطفو القبح إلى السطح وتصبح جميع المحاولات معه يائسة ولا حل إلا بتجاهله وتركه ينشف تحت شمسٍ بليدة.

لقد كان يشرق بجناحيه ويعطي كل ما يملك، يسدل سرائره ويتحدث عنها لكونها لآلئ منسية يتمنى أن تُرى وتُمس بعد أعوامٍ من البرد والوحدة. كان لطيفًا أبيضًا سعيدًا حليمًا باحثًا عن الدهشة التي داسوها بأقدامهم كعودٍ أخضر قاوم اسفلت الطريق.

أنت في المكان الخطأ عزيزي.


في عينيه حزن الأنبياء.



حين ثار، ثار على نفسه أولًا.


قام لينفض الجهل ويبعثره لئلا يعرفوا له طريقًا، وما نفض إلا نفسه.

لطالما كانت الحكايا مسلية حين لا تتحدث عننا. حين تكون بعيدة كل البعد عن تلك البقعة المخبأة تحت كنبة عتيقة في زاوية رطبة داخل عقلٍ يتحاشى مواجهة حقيقة كونه حزين. لقد تركوه وانفضوا من حوله كما طلب برسالة معكوسة تائهة أضناها التعب وقلة الزاد والرفيق وبوصلة الاتجاه. ولكن إلى أين يمضي؟ إن الناظر إليه ليضحك كثيرًا من هذا الجسد الممشوق الآخذ في التوسع والعينين المغلفة بالسواد والملامح الناعمة والروح الضئيلة كروح طفلٍ يبكي لفقدان لعبته. يبكي. يبكي ولا شيء يعجبه. لا أحد.


لا أحد.


لا أحد.


العالم محطّة لقلع الأنبياء الضالون. وقد فاته القطار ليكون نبيّا. فأن ينشق البحر، والقمر، وان تنزل مائدة من السماء، كلها معجزات لزمانٍ سحيق فاته أن يكون منه. أحيانًا ما يفكر: ماذا لو أني ولدت في زمنٍ خاطئ؟ يهزّ رأسه بتفكر. عجيبٌ هذا الحب الملتوي لعقودٍ من التيهان، ولا درس يستفاد.


وحدي أكتب كمحاولة لتضميد ما يحدث من رياحٍ وعواصف ورعد وبرقٍ وشموسٍ ساطعة وأقمار مخفية وظلال تلاحقني وعوالم تجرني لداخلها وصيدٍ يدفعني للهرب والصراخ في برية لا يراها أحد، لا يسمعها أحد، لم يدخلها أحد، في واقع مرتّق بأقمشة مختلفة الألوان لقلة المال.


اضحك وصفّق وصفّر، انتهت المسرحية.

 

Join