بين وداع واستقبال
أتحدث هنا عن مشاعر ومواقف شخصية لذلك قد تكون التدوينة غامضة نوعًا ما.
وبناءً على ذلك جرى التنويه.
تُغيّرنا الحياة وتصقل التجارب،خيبات الأمل والمواقف شخصيّاتنا،تتبدّل اهتماماتنا تبعًا لكل ذلك،ولا ننسى تأثير التنشئة الاجتماعية،البيئة، الأقران وعوامل أخرى.
نترقّب تحقق ما نتمنى بنفاد صبر،في البداية قد تتماشى وتتسق رغباتنا مع رغبات أُسرنا والمحيطين بنا،وفي فترةٍ ما من حيواتنا نبدأ بالتمايز والاختلاف،يصبح لكلٍ منّا طابعه الفريد،أحلامه الخاصة وطموحاته التي يبذلُ الغالي والنفيس في سبيل تحقيقها،قد لا تكون هذه هي الحال بالنسبة للكثيرين لكنّ هذا ما مررتُ به.
أؤمن أن دورنا يتمثل بالسعي بينما التوفيق والتيسير من رب العالمين، بذلتُ كل الأسباب وطرقتُ كل أبواب الأرض والسماء،آن ميعاد الحصاد في ليلةٍ لم أتوقعها،حلّ عليّ الخبر كصاعقةٍ زلزلت الأرض تحت قدميّ، استقبلته بالإنكار ،صرخت بالرفض في قلبي ولكن أبى أن ينطق به لساني.
أبديتُ التردد والشكّ،انزويت في ركنٍ قصيّ عن العالمين،تجاذبتني الأفكار والظنون ذات اليمين وذات الشمال: ”ماذا إن أُتيحَت لي الفرصة التي أنتظرها طويلًا لكن في الوقت الخاطئ؟ هل أغتنمها حالًا مصداقًا لقول أحلام مُستغانمي:
إنّ أجمل ما يحدثُ لنا لا نعثر عليه، بل نتعثّر به
أم أتجاهلها اعتمادًا على القدر في تسهيل وصُنع فرص أخرى لأنني أستحق تحقق أحلامي التي أنا أهلٌ لها عندما أكون مستعدّة؟“ تساؤلات كثيرة رأت فيّ فريسة سهلة،نهشتني قطعةً قطعة ما استطعت الفكاك منها ولا الخلاص إلّا بِشقّ الأنفس.
بغيّة النجدة لجأتُ لمن تبادر اسمها إلى ذهني أولًا،وكما هو متوقع ساندتني،أرشدتني وأعادتني لجادّة الصواب،اختتمت حديثها معي بكلمتين تجلّى فيهما أماني واطمئناني.
تنهدت بعدها طويلًا قرأت دعاء الاستخارة مرتين بكل جوارحي،ثم تصفحت تويتر أملًا بتناسي الواقع ولو لدقائق وجيزة،بعد مرور عدّة تغريدات ظهرت لي تغريدة أُعجِب فيها أحدهم:
فكرت وقتها،أنا التي لا تعتقد بوجود الصدف وترفض الإيمان بالظواهر الميتافيزيقية،بأنها رسالة تحثّني على المُضيّ قدمًا. وقد فعلت.
عقدت العزم على فعل كل ما يتطلّبه الأمر لإثراء أيامي بتجارب جديدة، واكتشاف مشاعر لم أعهدها من قبل استعدادًا لتعلّم التكيف معها.
استسلمتُ للنوم بصعوبة آملةً بكون الغد أقل وطأة من هذه الليلة.
بدأ يومي بالعمل الجادّ،مشحونة باعتقاد أنّ كل ثانية يجب استغلالها وإلّا سأعض أصابعي ندمًا حتى تُدمى! كلما حدّثني أحدهم،رددتُ بصعوبة ممزوجة برغبة في الهرب من كل شيء.
وما إن أخلو بنفسي أبكي،وكأنني تعلمت البكاء للتو وتهمي دموعي مدرارًا كما الغيث على أرضٍ جدباء قاحلة.
قد تغفل أعين الجميع عن تغيّرنا ولكنّ أمهاتنا هُنّ أول من يُلاحظن وجود خطبٍٍ ما بنا!
اخترقت أمي عزلتي التي لُذتُ بها أملًا بتخطّي ما ألمّ بي،سألتني: ”ما بك؟” هذا السؤال الذي يُعدّ نقطة ضعفي الأزلية. لم أستطع إلا إصدار أصوات مبهمة وإشارات،فشلت في الحديث خشية انهياري. بعد اصرارها،أجهشت بالبكاء،شاركتها مخاوفي وهلعي،قلت لها: ”أنّي كفؤ، أعلم ذلك ومتأكدة منه،لكنّي خائفة،خائفة من ألّا أستطيع”
لم أفقد الإيمان بيّ قطّ،غير أنّي أخشى خيبة الأمل وشعور العجز وعدم الكفاءة! ظهرت كل مخاوفي الدفينة على السطح. استمعت لي واحتضنتني في نهاية المطاف،فكرت وقتها أن المطّلع على حالي سيظنّ أن أحزان الدنيا كلها ومصاعبها تكالبت عليّ وأنّي أبكي نيابةً عن العالم أجمع.
وهذا كان شعوري،فعلًا.
غسلتُ وجهي بوفرةِ ماءٍ وجُهد،رجوتُ أن يخترق الماء روحي المرهقة ويُطهّرها،ظنّت أختي الصغرى أن عينايَ متورمتان إثر استغراقي في النوم،فابتسمتُ على مزحتها مجامِلة!
انقضت ساعات كأنها دهور من العمل المتواصل،الراحة لدقائق،والخشية من عدم الانتهاء حسب الوقت المخطط له،أركض في دائرة مفرغة حتى انتهيت قبل المتوقع،فتتابع سير أحداث تلك الليلة.
في العاشرة إلّا ربع مساءًا فتحت ملاحظات هاتفي،وكتبت:
”ساعة تمرّ دقائقها ببطء،السماءُ مظلمة ولكنّ أنوار السيارات والأماكن يُحيلُها كنجومٍ في هذه الليلة حالكة السواد. عقلي مليء بالأفكار، أعصابي وعضلاتي مشدودة بلا وعيٍ منّي،أثق بنفسي وأعلم أنيّ سأتجاوز هذا كله،أودّ لو كان لديّ الوقت الكافي لأحكي للأصحاب عن شعوري وأشاركهم إياه لكنّي أعلم أنهم موجودون لأجلي ويدعون لي في ظهر الغيب،وهذه الفكرة لوحدها تُنير لي الطريق وتمنحني طمأنينةً عجيبة. أدعو في سرّي بدعاءٍ لقّنتنّي إياهُ أمي:
”اللهم إن اليُسر جندٌ من جندك فأيّدني به.”
كُلّي ثقة ويقين.
آمين.”
أغلقته،عُدت إلى تأمل الجمادات المحيطة بي،رويدًا رويدًا غرقتُ في بحر أفكاري بصمت.
في الصباح التالي،تأملت السماء طويلًا،لطالما سُحِرت بمنظر الغيوم ووجدتهُ منظرًا بديعًا يستحق التفكّر والتأمل،أخبرت نفسي أنّي انتصفت الطريق فلا مجال للعودة،بقي القليل فقط! يجب عليّ التحلّي بالشجاعة والصبر لفترة أطول.
مع مرور الوقت بدأ قلقي ينخفض تدريجيًا،انحسر احساسي بالضغط إلى مستوياته الطبيعية،وأكملت يومي بفيضٍ من التوقعات والآمال.
أخيرًا،تنفّستُ الصُعداء! أنهيت التجربة بابتسامة كبيرة وحمدلله من القلب،تجاوزت مشاعر متباينة ابتداءًا بشتم الانتظار وتجديد مقتي له،إلى التوتر،الرهبة،مرورًا بالخوف من المجهول والفشل،التساؤل عن ماهية نظرة الآخرين لي،وانتهاءًا بخشيتي من العودة بخُفيّ حُنين.
الأهم أنّي بعد صراع ذاتي طويل فعلتها،استطعت تجاوز كل ذلك!
فخورة لدرجة تفوق الوصف،أثبتّ لنفسي أنني كُفؤ وعلى قدر عالي من المسؤولية،اختبرت مواقف جديدة،غادرت منطقة الراحة بشكل يُلائم شخصيتي ويمثلني بصورة مشرفة وقد يكون هذا أهم إنجاز.
في مستقرّ الأمر،عُدت بعد مشوار متعب طويل استلقيتُ على سريري إيذانًا بدخول موعد النوم،رمقتُ الساعة في أعلى وسط شاشة هاتفي مشيرة إلى الثالثة صباحًا تقريبًا. تصفحت تويتر فظهرت أمامي هذه التغريدة:
ابتسم بيني وبين نفسي،سابقًا كنت لا أؤمن بالصدف وما شابهها،الآن أظُنّني أميل لذلك.
بهذا النوع من المشاعر اختتمت عامًا وبدأت آخر،عسى أن يكون مليئًا بتجارب مُثرية مشابهة تحقق لي النمو على كافة الأصعدة،أتجاوز بها حدودي وأتخطى بها مخاوفي.
آمين.