الرصاص من طقسٍ بدوي إلى اخلاء سبيل حياة

عن غربة الروح والوطن

السبت ، ٧ سبتمبر ٢٠١٩ م.

الساعة: ٤:١٤ مساءاً.

المكان: أمام نافذتي.

حرف موسيقي:


أما قبل : 

كيف لهذا الوهج أن ينطفئ ؟ 

أتظن بأنني سراجاً وهاجاً وسينفذ زيت وقوده جراء صمتك؟

أو أنني شمساً مُنيرةً جراء سلسلة تفجراتي الحارقة فيما لو لمستني 

أُحرقك وننطفىء سوياً؟ 

 أو أنني بدراً مضيئاً وستنصرف عني لأبقى كوكباً معتماً ؟

أما بعد:

قررت أن تُخرسَ صوت أفكارها برصاصة..

هكذا ببساطة في مطلع شهر سبتمبر، قررت استقبال فصل الخريف بتساقط الأفكار من رأسِها قطرةً قطرة .. 

وغرقت في بحر دمائها الأسود بسواد أفكارها وأضطرابها، واكتئابها ، وأوهامها.

كانت دائمة الابتسام ممشوقة القوام،

من تلك الوجوه التي عليها غبرة وترهقها قترة .

ترى في خطوط وجهها دبابات .. وفي ارتجاف صوتها دوي المتفجرات. 

ترتعش وتتمسك بحقيبتها ولكأنها طوق نجاة. 

في الساعات الأُولى ليوم الأحد أيقظني صوت رصاص .. 

كانت ثلاث رصاصات لا رابع لها. 

و خيم الصمت على ليل المدينة، فهبطتُ بهلعٍ من علو السرير لجانبه ارضاً.

وطوقت جسدي بذراعيّ اتلُ ما يمكنني تلاوته من القرآن الكريم، تبعها صوت صفارة سيارة النجدة .. 

كُنتَ قريب بمسافة ’ رسالة وخيال نابضْ

وبعيد حيث يفصل جسدينا المحيط بمساحته الشاسعة..

وددت حينها لو أننا عملاقين، أقف على حافة قارتي وتقف على حافة قارتك، وتمتد أيدينا ونتعانق دون الاكتراث لبقعة المحيط تحت قدمينا.

لكم وددت أن أهربَ من دوي الرصاص، وصفارات النجدة، وصوت أجهزة رجال الشرطة اللاسلكية لأدفن وجهي بين عنقك وكتفك هُناك حيث لا أحد سوى وجهي وحبل ووريدك ..

أدفنه بشكل تحتار معه الفيزياء لحسم المسافات ووضع الحدود..


ففي ما مضي من عمري المنصرم لم أسمع دوي الرصاص سوى من بعض الجيران ..

ففي قريتي الصغيرة..

يعد إطلاق الرصاص طقساً بدوياً إما إشهاراً للفرح، أو فخراً.. لسبب نجهل ماهيته الفعلية، لكن كفيل بأن يرسم على وجوهنا المتفاجئة ابتسامة ..

فهي دعوة للإبتهاج .. لفرح، أو فخر، أو تكريم ..


وفي مزارع والدي ..

يعد سمع دوي الرصاص .. صيد ..

يعقبه وجبة على الأغلب لذيذة..


ولكن .. في هذه المدينة اختلف الأمر ..

صوت الرصاص هنا تناثر الأفكار، تحرير روح من إعتقال الحرب ..

عتق رقبة لا وطن لها ولا مأوى ..

اخلاء سبيل للحياة ..

كان قتل خطيب جارتي من قِبل قناص حرس الحدود اليونانية .. سبباً كافياً -لها- لإنهاء حياتها بذات الطريقة..

حيث كانت تعيش على أمل وصولهِ لها عابراً دولاً عدة.. 

حيث كان القارب الذي يبحر به يرميه بمنتصف الطريق ليكمله سباحةً نحو الحدود ..

وحينما طفح كيل اليونانيين من تهريب المهاجرين إليهم بطرق غير شرعية .. قرروا توظيف صائدي بشر يعدون وجبات دموية للقروش ..

وبعد اضمحلال الأمل في جوفها من وصوله..

قررت الإلتحاق به كما رحل رمياً بالرصاص ..

ضاقت بها السبل، وحتى لامية العجم ضاقت بها..

فلم تعد تعنيها ابيات الطغرائي التي وضعتها خلفية لصفحتها على الفيس بوك:

أعلّل النفس بالآمال أرقبها

ما أضيق العيش لولا فسحة الأملِ

لم أرتضِ العيش والأيّام مقبلة

فكيف أرضى وقد ولّت على عجلِ

لعل الآمال لم تعد تًعلل النفس وترقبها، ولعل فسحة الأمل طوت حقائبها ورحلت عنها كما رحلت ايامها على عجل ..



الخلفية: لوحة للفنان دانيال ريشت تعبر عن معاناة اللاجئين
Join