الحلقة الأولى


ولنا في الباب حياة

بين سطور كل كتاب نقتنيه إشارات ضوئية تومض تبعاً لتقاطعات عبور الأفكار في مخيلة مقتنيها، وتبرز من خلال اقتباسات نلونها بأقلام تظهيرية غالباً ما تكون صفراء.

فبين سطور رواية "طوق الياسمين" لواسيني الأعرج ومَضَت إشارة

التوقف، تحديداً عند تقاطع رسالة مريم لحبيبُها حيث كتبت:

لا أعرف لماذا أفتح أبواب 

الكوابيس والأحلام، وأفتش عنك في أكثر الزوايا ظلمة 

علّني أجدك وأوشوش في

 أذنك :أحبك.

ربما لأنك لا تشبه والدي؟ 

ولأن زوجي كان يشبه والدي، فقد كرهته وأوصدت كل 

الأبواب المؤدية له وفتحت

 كل نوافذي الصغيرة نحوك .. لأراك عندما أشتاق لك ..

وتأملت أثناء دوراني على كرسي مكتبي :

كيف لإنسان أن يؤصدَ أبواب واقعهِ ليعيش

 على نوافذ أوهامه؟

و يستلذ ألماً للمناظر التي تُطِلُّ عليها؟ ..

 وأن يتجاهلَ عمداً قرعْ أبواب واقعه،ويصور له وهمه بأن قرارَ فتح الباب والتعايش 

معه أمربالغ الصعوبة.

فكيف لعقله أن يتجاهلَ مساحة النافذةْ مقارنةً بمساحةِ الباب ؟

 وأنها بدورها تنقل له منظراً مصغر عن

فردوسٍ لن يلمس أوراق جنته، ولن يغفو على موسيقى الطبيعة الخلابة.

بينما بإمكان الباب أن يفتحَ لهُ عالماً يستطيع

 الولوج فيه والتعايش معه، والتخلص من ألم خيالات النوافذ.

ثم كيف يتجرأ لعقله أن يصورَ لهُ الهروب من

 النافذةِ طريقاً للهناء؟

ثم منذ متى تعتبر النوافذ مسلكاً للدخول

 لعالم أفضل؟ .. 

لطالما كانت النوافذ شقاً تولج فيه الشمس 

أشعتها، وفي أحلك الظروف تعد مسلكاً 

إضطرارياً للنجاة حينما يحترق كل من في دارك.

فأن أردت الحياة فلن تدخل من نوافذها. ألم يكن من البر أن نأتي البيوت من أبوابها لا من ظهورها، 

ألم تكن الأبواب رمزية الإنسانية الأولى، ممثلة ببابها الأوسع "السماء" .. باب البشرية جمعاء، 

فإليها ترفع الأرواح، والدعوات، والصلوات .. 

ومنها تنزل البركات، والأرزاق، والرحمات ..

فكيف للإنسان أن يستدبرَ الأبواب ويستقبل النوافذ طمعاً في الهناء ؟ .. 

وتستدرجه النوافذ بدورها لينغمس في كومةٍ أوهامه، 

وتتحول أرضية الغرفة لنافذةً أكبر  ليسقط فيها ويتشعب، ألمه النفسي ويصبحُ أشد وطأةً 

بتضامنَ ألمه الجسدي. 

وفي هذه اللحظة تحديداً يفقدُ قدرتهُ على سماعَ قرعْ الأبواب .. 

وتضيع المفاتيح لتحل محلها المغاليق ، 

ويرحل حارس الباب الذي كان عبثاً يحاول أن يشرحَ لك قيمة الأبواب ...

وتتوشح بالظلام في قعر الغرفة .. 

فتبكي، وتخاف، وتكتئب ..

لتدرك متأخراً بأن عليك إشعال فتيلاً يضيء عتمتُكْ ..

وتبدأ بتحسس أدوات الغرفة 

لتستنتج بأنها كانت تصرخ بك:

الباب !! الباب !!

ألم تعلق معطفك بجانب كِ الباب؟ 

ألم تتدلى ميداليتك من جيبهْ؟ 

أما خلعت حذائك ليرقد بجانبه؟ ..

حينما أثقلك هم ذنبك ألم تدخلك سجادتك من باب توبتها؟

فلقد كانت الأدوات أسهماً إرشادية مُلقاة بجانبك طوال الوقت، 

قريبةً على بعد مسافة لمسة .. وبعيدةً على قدر وهمٍ يقيني ..

فإصرارك على جماليات النافذة الوهمية قادتك لعتمة آلامك ..

 أما كان حقاً عليك أن تمنح هناء الباب فرصة للحياة؟

Join