من الحجز المنزلي إلى خلوة حقولية

-في مزارع عبدالله الظاهري-


الأحد, 22 مايو 2020 م.

الساعة: 1:15 صباحاً.

المكان: مزارع عبدالله الظاهري -أطال الله في عمره-


“إن قام حظك باع لك واشترى لك "

كان يختتم بها مشاهد من قصص للحصر لا للأمثلة والتي دعَمَ ركائزها سلفاً بحِكمٍ لا متناهية تحوم حول ذاك المثل الشعبي كحوم النسور حول جثة هامدة. 

لقد كان حري علي أن أُقصيه بعيداً عني في ظل الظروف الراهنة التي لا تحتمل شخصا كمثله يجر عربة خيول أيامنا نحو جرف لا قرار له .. قناعة مني في أن محفوظات الشخص من الشعر, والحكم, والقصص بل وحتى قائمة أفلامه المفضلة.

هي أدوات مُعيْنة على معرفة الذات الماثلة أمامي, وذاته لاتتماشى مع نسق النية التي عقدتها.

ثم تخيرت المكان الأقرب دوماً لنفسي ..

لطالما كانت علاقتي متوترة بالمدن وتخنقني العواصم, ورغم الكم الهائل من الأضداد التي تلف ثنايا شخصيتي .. إلا أنني لازلت أُفضل الريف على أبخرة المُدن و صخبها .. ولكوني ترعرعت في

مواسم الحصاد وشهدت تربية الماشية و بيع لحومها .. ورافقني الصديق الوفي لازاروس الكلب التابع للجيش الإيرلندي سابقًا, فلديه رتبة تخوله ليكون قائد في كتيبة تبلي بلاءاً حسناً.


علاقتي به جعلتني أحترم الكلاب بل ويتطرف خيالي ويتشكل في ذهني كل شخص جدير بالوفاء والانضباط لابد له أن يكون كلب في المقام الأول ..

أعلم أعلم !! كفاكم بالله عليكم  .. كتبت لكم اعلاه

: "يتطرف خيالي".

في الحقيقة لا أعلم إن كان كلبي يرتقي ليكون أدمياً أو بعض البشر تنحط لتكون كلاباً، ثم أعود بالتفكير مرةً أُخرى لِمَ كتبت " تنحط" ؟

أما كان الكلب جيد! و تنبسط على سطح دماغي خريطة منهجية لحقوق الحيوان وأحترام تخصصي الذي أُحب وغيره .. 

لا علينا فقد نال "لازاروس" ما يستحقه وأكثر من هذه التدوينة.

جائحة كوفيد-١٩ أتاحت لي مالم تكن طبيعة حياتي ماقبله أن تتيحه لي. وعليه تحول الحجر المنزلي إلى خلوة حقولية في مزرعة والدي .. وفعلت كل مهمة ضجرت انتظاراً في قائمة يعلوها الغبار في آخر ملاحظاتي الإلكترونية ..


  • قرأت العديد من الكتب و تناقشتها إلكترونياً بمعية أشخاص لم أكن أحظى بفرصة الحديث معهم لإنشغالنا في الجري وراء مهامنا المهنية والحياتية بالعموم ..

  • كتبت الكثير من اليوميات وسمعت لنصيحة صديقتي "وسماء" أخيراً وأنشئت مدونة وأصبحت أدون وأرفق صوراً للوحاتي ومنحوتاتي وأتفلسف حيالها ..

  • قمت بتصوير فيلم عن والدي ذاك الفيلم الذي قفز من قائمة المهام المؤجلة إلى العاجلة .. 

  • تعلمت أخيراً قيادة المعدات الزراعية والطريقة التي تعمل بها الحصادة ..

  • و كيف تتنقل حبة القمح من بذرة .. إلى حبةٌ ناضجة جاهزة للطحن تغط في صوامع الغِلال.

  • تعلمت كيف أدير عمل وأمارس كل المهام و الأهداف المعلقة على ذمة زحمة الأيام .

  •  رسمت تحت النجوم لوحاً لطيفة ..


وبدأت المهام أو اللذائذ

-كما سميتها لاحقاً- تنجز واحدةً تلو الأخرىز

أصبح الأمر متعة و كل يوم من أيام الخلوة الحقولية يوماً تتسع فيه المدارك..

وتزيد فيه فرص التأمل,  والإسترخاء فلقد دخلت اليوقا إلى المسار اللذائذ بجانب تمارين التنفس في صباحات الباكرة الحقولية..

ولن أخفيكم حقيقةً بأن بعض الأيام تمر أفعل فيها اللاشيء ..

سواء المشي, والاستطراد وراء أفكاري التي تنجب دوماً عمل إبداعياً ..

نحتاً أو رسماً, أو كتابة, أو فكرة لنقاش مثري تتبادله مع شخصك المفضل أو المناسب لها.

كان حري علي أن أكتب من خلف كواليس مسرحية كوفيد-١٩ ما كنت أفعله بخلوتي الحقولية .. دون الإلتفاف لأعداد الضحايا التي تحصدها الجائحة دونما تشويش قائمة اللذائذ التي بدأت ألتهمها واحدةً تلو الأخرى ..

كلفائف القرفة المخبوزة من قمح والدي.


ياترى كيف خُبزت لذائذكم؟ ..

أأنتجت لكم لفائف القرفة أم مخبوزاً أخراً ألذ؟.


لقد تم نشر هذه التدوينة سلفاً هنا: