حكـــــايةُ فريــــــــضة
نعيش هذه الأيام شعائر عظيمة تتجه قلوبنا وأنظارنا معها إلى بيت الله الحرام اشتياقاً وحنيناً.
ومن كل مكان حول العالم وفي مثل هذه الأيام يتجه المسلمون إلى مكة المكرمة لإحياء شعائر اللَّه التي فرضها عليهم.
وحين نذكر هذه الشعائر نستحضر في أذهاننا تاريخ هذا البيت ، ماضيه وحاضره ..
لقد تجلَّت رحمة ﷲ تعالى في آية من آياته والتي تمثلت في عين ماء في وادٍ قاحل
لتشرب منها أمٌ وطفلها ، ولتصبح هذه العين أساس نشأة لبلدةٍ أراد ﷲ أن يجعل
فيها بيته ، ليُذكر فيه اسمه وليكون مهوى لأفئدة البشر
فما قصــــة هـــذه العـــــين ؟
جاء إبراهيم عليه السلام بسيدتنا هاجر وابنها إسماعيل وكان رضيعاً ، ووضعهما في أرض واد في مكة وكانت أرض قفر بلا ماء ولا زرع ولم يكن فيها أحد و عزم على تركها مع ابنها وحدهما ، فسألته هاجر :" الله أمرك بهذا ؟ قال : نعم ، قالت : إذن لا يضيعنا " وذهب إبراهيم داعيا لهم.
قال تعالى : ۞ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا ۞ سورة البقرة : 126 .
وعندما نفذ الماء القليل مع هاجر وابنها وعطشا ، انطلقت هاجر إلى جبل الصفا تنظر إن كان
هناك أحد ونزلت منه وصعدت جبل المروة وأعادت ذلك ، وفي صعودها الأخير للمروة سمعت صوتاً فإذا به ملك - قيل أنه جبريل عليه السلام - كشف لها بجناحه عن الماء – وقيل ضرب الأرض فظهر الماء - فصارت تجمع منه وتشرب وترضع ولدها، ورُوي أنها كانت تقول ( زم زم ) فسمي زمزم بذلك وذكرت عدة أقوال أخرى ، وبعد ذلك نزلت عند هاجر قبيلة جرهم وهي أول قبيلة تسكن مكة.
مــــــاء زمـــــــزم
هي عين ماء تصب في بئر يقع في الحرم المكي شرق الكعبة ، قال عنها رسول الله ﷺ أنها
مباركة وطعام طعم، وشفاء سقم وهي لما شربت له ، ومن أسمائها أنها زمزم وطيبة وميمونة ومباركة وغيرها الكثير.
وفي الدراسات الحديثة تبين أن بئر زمزم يستقبل مياهه من ثلاث عيون في الصخور القاعية
تمتد من تحت الكعبة المشرفة جهة الحجر الأسود ، وجهتي الصفا والمروة ، وتجتمع في البئر .
وفي كل أنحاء الأرض يعرف المسلمون الكعبة المشرفة فهي القبلة التي يصلون ويحجون إليها ، وهي أول بيت وضع في الأرض للعبادة في مكة .
كما قال تعالى في كتابه : ۞ إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاس لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِين ۞ آل عمران: 96
وللكعبة عدة أسماء ذكرت في آيات القران الكريم منها: الكعبة ، البيت العتيق ، البيت المحرم والمسجد الحرام .
بنـــــاء البـــــيت الحــــــرام
أراد اﷲ تعالى أن يكون هناك بيتٌ لأهل الأرض يعبدون اﷲ فيه وأن يكون بحيال البيت المعمور،
قال تعالى :۞ وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لَّا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ
وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ۞ سورة الحج : 26
فأوحى ﷲ لنبيه إبراهيم عليه السلام بناء الكعبة ، وأرشده إلى مكانها المعين منذ بدء الخلق، فذهب لابنه إسماعيل طالباً العون ، وأخبره أن ﷲ أمره أن يبني بيتا له في مكة ، فامتثل إسماعيل لطلب أبيه وأمر ربه.
ولم يدري إبراهيم وابنه أين مكان الكعبة تحديداً ، فبعث ﷲ ريحًا كشفت لهما عن مكان البيت - وهو أسفل البيت المعمور - ، ثم شَرع إسماعيل يأتي بالحجارة وإبراهيم يضعها بعضها فوق بعض ، ثم أتى جبريل عليه السلام بالحجر الأسود ووُضع مكانه و جاء إسماعيل بحجر ليقوم عليه والده وهو يبني ، وكانا يبنيان وهما يدعوان ﷲ : ۞ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ العَلِيمُ۞ سورة البقرة : 127.
ولكن ما هو البيت المعمور ؟ وأين مكانه ؟
أقسم ﷲ به في القرآن الكريم ، قال تعالى :۞ وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ ۞ سورة الطور : ٤ .
وكما وُضِّح في كتب التفسير أن البيت المعمور هو بيت أهل السماء السابعة ، وفي كل
سماء بيتًا يعبد ﷲ فيه أهل تلك السماء ، والبيت المعمور بحيال الكعبة – أي فوقها – لو
سقط لسقط عليها ويدخله كل يوم سبعون ألف ملكاً للعبادة ويطوفون به ثم يخرجون
ولا يعودون إلى يوم القيامة – أي لكثرتهم - فسبحان من خلقهم .
بالإضافة إلى ذكره في قصة الإسراء والمعراج حيث قال رسول ﷲ ﷺ : " ... ثُمَّ رُفِعَ
بِي إِلَى الْبَيْت الْمَعْمُور وَإِذَا هُوَ يَدْخُلهُ كُلّ يَوْم سَبْعُونَ أَلْفًا لَا يَعُودُونَ إِلَيْهِ آخَر مَا عَلَيْهِمْ ... " .
روايات في بناء الكعبة المشرفة
اختلفت الروايات في بناء الكعبة ، فتذكر إحداها أنه لما هبط آدم من الجنة أنزل ﷲ تعالى
معه بيتاً ليعبده البشر ويطوفون حوله ويصلون عنده كما يُفعل عند عرش الرحمن ، ولما
جاء الطوفان رُفع و كان الأنبياء يحجونه ولا يعلمون مكانه ، حتى بوأه ﷲ لإبراهيم عليه
السلام - أي أرشده له - وأعلمه مكانه وبناه من خمسة جبال.
وقيل أيضا أن الكعبة بنتها الملائكة قبل آدم عليه السلام، وحين نزل آدم عليه السلام من
السماء طاف بها ـ فلقيته الملائكة وقالوا له : طفنا بهذا البيت قبلك بألفي عام ، ومما قيل
أيضاً أن شيث عليه السلام بناها .
إلا أن جميع هذه الأخبار وردت عن بني إسرائيل ولم تثبت لا في القرآن ولا في السنة
و هي مما لم يكذبه القرآن ولم يصدقه ، وحكمها أنها موقوفة لا تكذب ولا تصدق.
قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : " لا تُصَدِّقُوا أَهْلَ الكِتَابِ وَلا تُكَذِّبُوهُمْ ، وَقُولُوا : آمَنَّا
بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا ".
يتبع ..