فن الحياة

فريدريك لونوار


علي النهابي



  1. يفتتح المؤلف الكتاب باقتباس من القرون الوسطى"السعادة هي أن يواظب المرء على تمني ما يمتلكه" وهو اقتباس يكشف عن قناعة الكاتب بأن السعادة شيء قابل للتملك والإنسان يحتاج فقط إلى تعلم بعض الأمور والمهارات التي تمكنه من العيش سعيدا في هذه الحياة، مثلما يحتاج الطباخ والموسيقي إلى تعلم وإتقان بعض المهارات المتصلة بفنه.

  2. أما مفتاح السعادة فهو الرضا بما هو معطى في الحياة والتصالح معه وتربية النفس عقليا انطلاقا من مقولات الفلسفة والروحانيات أولا وثانيا عبر كشوفات علم النفس ثم عن طريق التأمل الباطني مما يقود المرء إلى تحمل الآلام والوصول إلى مرحلة السعادة.

  3. أما أبرز أبطال الكتاب، فهم خليط من الرواقيين والأبيقوريين والوجوديين بالإضافة إلى بوذا والمسيح وشوبنهاور وفرويد، حيث يعرض الكاتب كثيرا من المباديء الشهيرة لهؤلاء مثل: (الأتراكسيا، والنيرفانا، والالتزام الوجودي، والصبر ومغفرة الأعداء).

  4. يعلن المؤلف في الفصل الأول أهمية الاستجابة لنداء الحياة ويعني ذلك أن السلام الداخلي والفرح لن يحدث مالم تستجب لنداء الحياة ونقبل بحقيقة الوجود التي لم تكن من اختيارنا.

  5. ثم يتحدث المؤلف بعد ذلك عن أهمية الثقة مع إرخاء القبضة: ويعني بذلك التسليم للواقع وقبول معطياته وهذا لا يكون إلا عبر الثقة بطبيعة الحياة وعدم توقفها على شيء مما يعصم الإنسان من اليأس حينما يدرك استحالة السيطرة على كافة تفاصيل الحياة.

  6. لكن القبول بمعطيات الحياة لا تعني الاستسلام المطلق بل الالتزام بالمحاولة لتحسين تجربتنا الوجودية عبر استثمار طاقاتنا الإيجابية بدلا من الوقوع في براثن الخيبة نظير الخوف منها. فنحن مسؤولون عن تكييف حياتنا لتصبح أكثر ملائمة لجميع الأحداث من حولنا.

  7. إذن فالالتزام بمعطيات الحياة يقتضي الفعل "فنحن وجدنا لنفعل" كما يقول مونتين. فعن طريق الفعل والعمل يكون لوجودنا معنى، وهذا بخلاف الخمول والعجز، وعن طريق الفعل نمارس تأثيرنا على العالم وخصوصا في مجال الإبداع الفني حيث يقاسم الفنان ذاته مع العالم ويشعر بأنه منتج وموجود.

  8. ولابد لمن يريد حياة سعيدة من علم ومعرفة يميز بها الخطأ من الصواب، والحرية هي دافع هذه المعرفة كما يقول هيجل:” ليس الجاهل حرا لأنه يواجه عالما متفوقا عليه وبمنأى عنه، لكنه خاضع له دون أن يكون هذا العالم الغريب من صنعه فيشعر فيه انه مقيم في عقر داره.”

  9. وأهم ما يجب على الانسان معرفته هو أن يعرف نفسه كما يقول سقراط. ومعرفة الذات ليست فقط تطويرا للذات بل أهم من ذلك فهم النفس ودوافعها والذي يحركها وهذا يقود الانسان إلى فهم أعمق للذات البشرية بشكل عام فيتفهم من خلال ذلك كثيرا من تصرفات الآخرين ويتوقف عن الإدانة.

  10. ثم ينتقل بعد ذلك الى الحديث عن أهمية حب النفس وعقد الصداقة معها لان ذلك سينعكس إيجابا على العالم المحيط لكن محبة الانسان لأخيه الانسان لن تظهر الا عندما يحب الانسان نفسه، وحب الانسان لنفسه ينجيه من الارتباكات العاطفية التي تعوقه عن العمل.

  11. واحترام الذات ومحبتها هو المدخل لاحترام الاخرين والقاعدة في ذلك أن يحب الانسان لأخيه ما يحب لنفسه كما في الأثر.

  12. والغفران وعدم الرغبة في الانتقام وان كان ذلك خلافا لمبدأ العدالة، هو الموقف الشافي الوحيد للعيش بسلام مع النفس والمضي في الحياة، فالغفران ليس موافقا للعقل ولا عادلا لكنه يوفر فرحا وسكينة وهو شرط ضروري لإخماد العنف.

  13. و لابد لمن أراد حياة سعيدة ألا يتعلق بالأشياء. وعدم التعلق فلسفة لا تحض على التقشف ولا تستوجب ازدراء الماديات بل تكتفي ببساطة برفض التعلق بها.

  14. وعلى الانسان الحديث ان يتنبه لأيدلوجيا العصر الحديث، ايدولوجيا النجاح والربح والكمال، وان هناك هدفا على الجميع أن يبلغه وهو هدف في متناول الجميع وبه يقاس نجاح الانسان، وهذا خطأ محض فلا يمكن أن تقاس الحياة على مستوى الربح والخسارة من وجهة نظر الآخرين، فالحياة تجربة نتعلم فيها من فشلنا، والفشل ليس نهاية الحياة، بل حدث إيجابي يساعدنا على فهم الحياة وتقبلها.

  15. وعلى المرء في الحياة أن ينطلق من اللحظة الحاضرة فالحياة تجري هنا والآن وهي ليست في صدمات الماضي وتأنيب الضمير والبقاء رهينة للكراهية بل المضي الى الامام وتعلم لأم الجراح بغية قلب الصفحة . والحياة لا تجري أيضا في المستقبل وليست في الاحلام التي تنسي البعض العيش في الحاضر وليست في القلق أو الخوف من المستقبل فذلك قد يضر الهدف المطلوب نفسه .

  16. وقبول معطى الحياة يعني قبول الموت الذي هو غير قابل للتصور . "والبحث في الفلسفة هو أن يتعلم الانسان كيف يموت" كما قال مونتين.

  17. وفي هذه الرحلة لابد من الهزل الذي يحرر من الخوف كما يقول اسبينوزا. ويهدم الحواجز الاجتماعية ويحد من تضخيم بعض الأمور، ويجعلنا نواجه مصيرنا المحتوم.

  18. ولا بد في حياتنا من مساحة للجمال فهو مصدر سعادة، فشوبنهاور يجعل الجمال المتنفس الوحيد من الحياة. " والجمال هو وحده الذي سينقذ العالم" كما يقول دوستفيسكي.

  19. ويختم الكاتب بالقول: " إن السعادة في الحقيقة أمر سريع العطب لا يمتلكها المرء بصورة نهائية أبدا وباستطاعة أي شيء ان يعكرها ...بينما تسمح لنا الحكمة بمقاومة اخطار الحياة وتقلباتها بشكل أفضل"


About the reviewer

Reviewer’s name and bio here..

Join