صوفية؟يعني صوف؟

بدايةً أكتب هذه التدوينة وأنا متأكدة انني سأدفنها في قاع المسودة خوفًا من أن تفهم هذه التدوينة بشكل عكسي كما قال ابي، أعتدت ان ليس كل ما افكر به اقوله، ولكن كل ما افكر به اكتبه، لذا انا اكتب هذه المقدمة السخيفة الان، ولكن من يهتم؟أسبوع واحد وتدفن هذه التدوينة في هذه الشبكة العنكبوتية، وبفتحها بعد سنين مسترجعة الذكريات خلف هذه الكلمات، ومن سيقرأها؟اثنين؟عشرة؟بالكثير عشرين، لذا سأنطلق، كنت حينها في ثالث ابتدائي، ادخل خلسة الى مكتبة والدي الكبيرة، كان يوجد بها جميع انواع الكتب، روايات، علمية، دينية، ساخرة، وكنت كل يوم اجدد امتناني لوجود هذه الجنة على بعد دور واحد من غرفتي، كان من المحظور دخول الاطفال الى هذه المكتبة لشدة خوف ابي على كتبه النادرة واطفاله الكتب، كنت ادخل بعد ذهابه الى العمل قائلة لأمي اني اريد ان ارى رواية تخص الاطفال لعلي اجدها بين كتبه، هي و أنا نعلم انني كاذبة، ولكن كانت تدعني لأنها تعلم اني ذاهبة الى مكتبته مُحبة للكتب لا للعبث بها، اجلس على مقعده الكبير البني الدافئ مستريحة ممدة ساقي الصغير، التقط رواية بحذر شديد-لان والدي يعرف ترتيب كتبه كما يعرف خطوط راحة يده-افتحها واقرأ ما تيسر لي من الكلمات التي افهمها، الى ان يحين موعد قدومه واخرج مسرعة خافية اثار جريمتي، وفي يوم ذهبت لها كالمعتاد، التقطت كتاب كان عنوانه”الصوفية”تعجبت، ما معنى صوفية؟هل هي من الصوف؟ام من الصيام وسميت صوفية؟ام انها مثل كلمة صافي؟فتحت الكتب وانا ارى كلمات وجمل غريبة، درويشي، شمس، الرومي، اب روحي، الدوران، الرقص، جلست على الارض بذهن مشغول يحاول حل هذه الالغاز، مضي الوقت من غير ان انتبه وجاء والدي، وقف عند الباب ونظر اليّ، رفعت نظري اليه و انطلق لساني يبرر جريمتي وفعلتي هذه قاطعني بضحكات عالية واقترب مني وهو يقول”مالذي اشغلك حتى تنسين موعد قومي وتخرجين من المكتبة مكبرًا”صُدمت انه يعلم، قلت له انني منشغلة بهذا الكتاب ومعنى الصوفية، فشرح لي انها مذهب ولكنه خاطئ، استأذنت منه لكي ابحث عن الموضوع اكثر، قال انه لا ضرر طالما انني اعلم انهم على خطأ، اعطاني كتاب يشرح الصوفية بشكل ابسط يناسب مدى فهمي للكلمات، وضعني على مقعده الكبير وقال انه يسمح لي ان ادخل المكتبة ويحب دخولي اليها وطوال الايام كان يأتي مبكرًا ليشاهدني وانا اقرأ ، شعرت وقتها ان لدي تمييز خاص عن بقية اخوتي وددت لو اتمشى في المنزل قائلة”انظروا استطيع دخول المكتبة انا فقط اما انتم لا”ولكن احترامي وحبي لهم طغى على هذه الرغبة والتزمت بالصمت مكتفية بالابتسامة، يوم عن يوم علمت ما هي الصوفية، ومن هو الرومي وشمس، والفرق بين الدرويشي والصوفي، ورقصتهم وكل ما يخصهم، في سادس ابتدائي ابي اقترح ان اقرأ رواية”قواعد العشق الاربعون”وقال انها ستعرفني اكثر على شمس والرومي، قرأتها وانتهيت منها وانا واقعة في غرام شمس تبريزي، فأصبح لوني المفضل اصفر، ورائحتي المفضلة وردة الياسمين، و اصبحت اضع يدي في جيبي عندما اتوتر مثله، وابتسم ابتسامة جانبية عند السعادة مثله من غير ان اشعر، وامور حياتي اقررها بحكمة مثله، فكان تأثيره على حياتي ليس بالشيء الهين، طلبت من ابي ان نذهب لبلدته الذي دفن فيها، وهي قونية، ذهبنا لتلبية طلبي، اخذت معي كتاب قواعد العشق الاربعون، حتى اعيد قراءته هناك وارى الاحداث امامي كما وصفتها مؤلفة الكتاب ايليف، وصلنا الى قونية، وروحي ترقص من فرط السعادة، ذهبت لبيته وقصر الرومي، شممت عطره، قرأت رسائله، وذهبت لقبره وقبر الرومي، ثم رحت اتمشى في زوايا قونية، فسمعت اصوات عالية تسبح الله، ذهبت اليهم ونظرت لهم مبتسمة، وكان يتوسطهم شيخ كبير بالسن، نظر الي وطلب مني المجيء عنده، تقدمت وانا خائفة من الحشد الذي حوله، جلست عنده وراح ينظر الي وانظر اليه، لا انكر ان هناك طمأنينة ورعشة سرت في انحاء جسدي، ثم اخذنا نتبادل الاحاديث بالتركية، قلت له اني اتيت من اجل ان ارى بلدة شمس وقصصت عليه كل ما حصل، استمع الي وهو يبتسم، وضع يده على رأسي وراح يتمتم بدعاء طويل تتوسده كلمات حنونة، ثم طلب مني ان اضع يدي على قلبي، وضعتها، وراح ايضًا يدعي بكلمات رقيقة، اذكر وقتها اني بكيت، يبدو لكم انه شيء بسيط ايها القارئ، اما ان فكان لي بمثابة حلم كان من المستحيل تحقيقه، قال لي ان البكاء تطهير لروح فلا مانع ان بكيتي، ثم توقفت عن البكاء خشية ان اقيم العزاء لو استمريت، ابتسم لي واخرج من عنقه عقد و قرأ عليه، اخذ ورقة وكتب عليها hiç واسمه، قال لي ان اعود هنا بعد سنوات وسأجده، وهذا العقد حتى يتذكرني، لبسته واكملت طريقي وهو يقول بصوت عالي لي”عودي الى هنا” وشعرت اني في رواية من شدة هذه الاحداث، لماذا المعلم الروحي اختارني انا من بين كل المتواجدين؟لماذا يقول لي عودي؟ولما قلبي متعلق بهذه المدينة؟مضيت في طريقي ورحت عند بائع كبير بالسن، اشتريت حاجيات فرفض ان ادفع له، اشار الى العقد الذي ارتديه وقال بالحرف الواحد”انك من ابناء شيخنا، فلا دين عليك”قلت له اني لست ابنته وانه اهداني العقد، شرح لي ان بابا احمد-شيخهم-يحب هذا العقد كثيرًا وصنع له خصيصًا، وما دامه اعطاك اياه فهذا يعني انه رأى فيك مالا ترين، يراك بعين قلبه، لم افهم وطلبت منه ان يشرح اكثر، فقال لي عن موقف خادم شمس شاهين وان هذه الجملة مشهورة منذ زمن، ابتسمت له ممتنة وراضية، ثم مضيت ورحلت عن البلدة، ومنذ ذلك اليوم الى يومنا هذا وقلبي يحنُ الى قونية، بابا احمد، و شمس، هذه القصة مرت عليها اربع سنين مضت، ولا زال قلبي يتعصر شوقًا الى كل ما ذكر بالاعلى، لم تسمح لي الفرصة ان اذهب الى قونية مرة اخرى، ولكن من المؤكد اني سأذهب قريبًا بأذن الله، اعرف ان التدوينة كانت طويلة بشكل مبالغ به، وحذفت بعض الاحداث وسرعتها، ولكن كل الذي اريد ان اصل له، انني كبرت في ظل شمس و الصوفين، محتفية بهم عند كل تخبط، مستمعة للناي عند كل مناسبة، في مرحلة من مراحل حياتك، سيدخل شمس ويغير جزء منها، استمتع بها كما استمتعت، واسمح للاشياء التي تحبها ان تكبر معك.


Join