الى الذي اخذني في حضنه عندما رفضني العالم.
أكتب هذه التدوينة الى أبي، البطل الوحيد، وذلك الذي احتضني عندما رفضني العالم بقسوة، في صغري كنت فتاة وحيدة اغلب الاوقات، لم يكن لدي كثير من الرفقة في المرحلة الابتدائية، و في المتوسطة ايضًا، طوال عمري كنت امتلك القليل من الاصدقاء لأني لا احب الكثرة، او لأني كنت مرفوضة دومًا بسبب صمتي في المدرسة، بعكس ما كنت بالمنزل، كنت ثرثارة كثيرًا، ودومًا أسأل عن أشياء عديدة مثل:"بابا ليش السماء من دون عمدان؟ما بتطيح؟"وكان أبي في كل مرة أسأل، يجاوب بصبر عظيم، لم أسمع منه مرة واحدة جملة"لا أعرف"على العكس، كان ابي بالنسبة لي مثل الموسوعة، او قوقل، يعرف كل شيء في كل وقت، اتذكر طفولتي بشكل واضح كما لو انها كانت بالامس، اتذكرها جيدًا بسبب حضور ابي فيها، في كل موقف وحدث ارى ابي امامي، وانا طفلة كنت اخشى ان افقد هذه المحبة، وكنت دومًا قلقة ان اكبر وتتغير شخصيتي ويتوقف عن حبي، لكني حتى عندما كبرت، وتغيرت، واصبحت تلك الفتاة المنغلقة على نفسها ومبتعدة عن والديها ولها حياتها الخاصة، كان يحبني ايضًا، ويحتضني عند اول دمعة، ويصفق لي عند اصغر انجاز، كان كما لو انه خلق لأجل أن يمنحني الطمأنينة، والحبّ، أنا و أبي نشبه بعضنا الى حد كبير، لا في الملامح، انما في افكارنا وثرثرتنا، حين نتناول الطعام لا بد ان نتناقش حول شيء معين، مثل افكار فيلسوف ما، او عن كاتب ما او اسطورة، مالا يعلمه ابي انني اسرق من تلك النقاشات الطمأنينة، انا شخص فاقد الطمأنينة منذ نعومة اظافره، ودومًا اشعر اني بحاجة اليها، وكان ابي في كل مرة، يلبي حاجتي هذه من غير ان يشعر، ومن غير ان اصرح انا..وجود ابي بالمنزل يمنحني احساس بالامان، و أن كل شيء سيكون بخير، فهو البطل الخارق الذي يتصدى للمشاكل التي من الممكن ان تعيق حياتنا، عندما قررت الابتعاث الى الخارج مثل اخوتي، لم يعارض، بل شجعني، وعندما علم صدفةً اني اكتب التدوينات وانشرها، اصبح يقرأ تدويناتي-بالرغم من انه شخص مشغول جدًا بعمله-
"الأب هو متخصص لم يدرس تخصصه أبدًا"
كان ابي حتى حين يرتكب خطأ ما، يعتذر فورًا، لا يتردد في الاعتذار، كان يفعل اي شيء في سبيل ان ارضى، انا من ذلك النوع الذي لا يعرف كيف يعبر عن مشاعره ولا اصرح بها، اكتفي بالصمت دائمًا او المشاجرة، لم اتعلم ان اقف امام احد واقول له"شكرا لوجود، ممتنة لأنك هنا، واحبك".لا اعرف كيف أنطق بها، ولكن اعرف كيف اكتبها، لذا أكتبها، ومن الاجدر بي ان ارسل كل الكلام المكتوب بهذه التدوينة الى ابي لأن الكلام يخصه، لكني أحب أن اوثق مشاعري ولحظاتي في هذه المدونة، أشعر بالامتنان الشديد الى أبي، امتنان لا يمكن وصفه بتدوينة، ممتنة لانه يحبني دومًا بطريقته الخاصة، ولأنه يستغل كل لحظات فراغه لنتبادل الحديث، ويسخر لي كل شيء اريده حتى اشعر بالراحة، ويمكنني ان اقول، ان وجود ابي هو الذي خفف ثقل هذه الحياة، وشجعني على أن اكمل طريقي في الحياة، دومًا يكون حاضر، هنا، مثل حضور السماء بشكل دائم حين ترفع رأسك للأعلى، يجبر خاطري دومًا، يُلملمني حين اتبعثر، ويده تكون ممدودة عند اول مشكلة، ولا يفعل هذا معي فقط، بل يفعله لخمسة اخوات اخريات، اب خارق صحيح؟ ان كنت خلقت في حياة اخرى، فسوف اطلب من جديد ان اكون ابنتك، بل اتمنى ان أب اطفالي يكون مثل أبي، أحبك كما أحب نفسي وأكثر، أحبك كحب الصوفيين لشمسهم تبريز، ولا أدري ان كنت ستقرأ هذه التدوينة ام لا، ولكني كتبتها كي تخلد في الشبكة العنكبوتية هذه، الى الابد