أرفض!

كنت دومًا ارفض، أرفض البكاء على الاطلال، ارفض الانهزام، لا أرضى أن أدفن وأنا حية، ارفض أن أحيا في قاع الارض، ارفض الصحو من الاحلام، أرفض المسافة والسور والباب والحارس و اعترض على مساعدة الامواج، اعارض الاقدار اسير وانا اقول للصبر لا، للمحاولة لا، للتجلّد لا، دومًا اقول”لا”رافضة هزلية متعبة تليق بحطامي، كنت دومًا اركل الحياة و امورها بالرفض، ولا حتى احاول ان اقول نعم عوضًا عن”لا” حتى يكفيني شرف المحاولة، ارفض فحسب، ثم وقفت افكر، واقنع نفسي ان الرفض يأتي بعد محاولات و يجب ان احاول، وعقلي يصرخ بأن ارفض حتى هذه المحاولة، فيصبح الوضع مثل طبيب ياباني في غرفة العمليات يقول لطبيب التخدير الهندي: قم بالتدخير، والطبيب الهندي يقول: هل اخدره؟وهكذا، لا احد منهم يفهم الاخر، كل منهم يصرخ بما عنده، والضحية المريض المُمدد بغرفة العمليات تحت أيديهم-والذي هو أنا بشكل آخر- ثم توقفت وسألت نفسي لوهلة، هل جربت لمرة واحدة ان تعرض الهدنة على الحياة؟بالطبع لا، لاني مشغولة بترديد”ارفض”من السهل على الجميع ان يرفض، ببساطة نرفض، لكن هل بذلت جهد القبول؟لو انك بذلت جهد القبول لأول مرة، لأصبح عليك بعدها سهلاً، عوضًا عن الرفض السهل المتجدد كل مرة، اقتنعت، بدأت اتقبل الامور، بهدوء، في البداية كنت ارى ان الرفض اسهل و اسرع، فالنهاية واضحة، خيبة كالمعتاد لا تحتاج الى محاولات، دعيني ارفض، بإستمرار صوت عقلي يقول لي”ارجوك دعيني ارفض، ارفضي”واضرب صوته بعرض الحائط مصرة ان احاول التعايش مع التقبل، بعد مدة اتضح لي ان القبول رائع، رائع ان اتقبل الاشياء و لا ارفضها، مع الزمن هجرت الرفض، ثم اصبتُ بخيبة كبيرة اكبر من مصطلح”كبيرة”بنفسها، انهرت باكية من الذي فعلته الحياة، رحت اعاتبها ساخطة عليها، قائلة لها انني فعلت كل ما طلبته مني، تعلمت القبول، هجرت الرفض، توقفت عن شتمها وكنت في صدد حبها و اقمت الهدنة معك فماذا تريدين مني اكثر؟بكيتُ وانا اردد ان الحياة صهرت معدن روحي، لم اطلب منها سوى القليل، حتى القليل رفضت ان تعطيني اياه، فكرت ان جميعنا كان لدينا حبل امل والحياة حرصت على قطعه دون رحمة، بعد مدة من الاستسلام استوعبت اني في معترك الحياة فقدت نفسي..و ان البشر يغرقون في محيط الحياة بينما انا كنت اطفو، ولا يوجد هناك فلتر لتحسين الحياة، هذا ما لديها إما ان ارضى به او ان ابقى مستسلمة على حالي، بدأت اتعلم كيفية التعامل معها من جديد، من غير هدنة، تعلمت كيف اعدل من هندام روحي، ثم تعلمت كيف اظلّ في الخارج، في العدم، بعيدًا عنها بقدر كافي خافية احلامي خوفًا عليها من ان تشملها وضاعة الحياة، من دون ان افكر واسعى للقبول، تقبلت الحياة كما هي، اخذتها و رأيتها كما هي، بلا اوهام ولا اضاليل، وفي حين ان كل احلامي بدأت تتحقق وتكبر، فكرة ان الحياة ضدي كانت تتضاءل، ثم اختفت، واقتنعت ان الحياة يا صديقي مجرد حياة، ليست بطلة ولا العامل الرئيسي في خيباتك، ولكن فطرة الانسان تلزمه بأن يوجه سبب هزيمته لأحد، وبطبيعة الحال لم نجد امامنا الا الحياة حتى نتهمها، اليس الكمال لله تعالى وحده؟اذًا كيف ندعي ان في الحياة عدل ان عوملت بالمثل؟اوليست الحياة خلقًا من خلقه؟.. تعلمت ايضًا ان لا ابحث عن القبول، لا اسعى اليه، لا اترقبه، هو الذي يجيء مني إليّ. ملاحظة: لا زلت اشعر ان الحياة ورطة وبعض الايام ارتطم بسقفها، لكني احاول ان اقتحمها واصبح جزء منها.

Join