عالم لا نهاية له!

كنت حينها في الابتدائي، حيت صُدمت ان لهذا العالم الكبير الواسع نهاية حتمية غير واضح موعدها، لكنه سينتهي بشكل او بآخر، كان تقرأ لنا المعلمة كتاب عنوانه”نهاية العالم”تقرأه من دون رحمة او رأفة لهذه القلوب الصغيرة الجالسة امامها موسعيّن اعينهم و ايديهم ترجف من هذه الحقائق، عدتُ حينها الى المنزل وانا خائفة، ساخطة ان لهذا العالم نهاية! لماذا لم يخبرني احدًا من قبل؟بعد ما خططتُ جميع خططي المستقبلية تصارحوني ان لهذا العالم نهاية ونقطة؟رحت اكمل غدائي بسرعة، احلُ واجباتي بسرعة، اقرأ بسرعة، كل شيء كنت افعله بسرعة، لاحظ ابي وامي هذا التصرف الغريب، إذ انني عندما كنت طفلة كنت اتحلى ببرود وهدوء فضيع، الى حد انك تريد ان تصفعني على بطء الحركة هذه والبرود هذا، كنت اتكلم ببطء وبهدوء، لا لمشكلة بي، بل لاني احب ان اقول وافعل كل شيء على مهل، فكان تصرفي السريع المذكور اعلاه غريب ومريب، سأل ابي لماذا افعل هذا، فقلت له ان العالم سينتهي لا وقت لدي، اريد ان احقق كل الاشياء التي اريد ان احققها بسرعة، ونصحته ايضًا ان يحقق امنياته بأسرع ما يكون، واخبرته ان المعلمة قالت ذلك، انت كقارئ تتوقع ان والدي ضحك لبراءة هذه الطفلة، ولكن لا، غضب ابي غضب شديد، لم يكن يرى ان يحق للمعلمة ان تخبرني بنهاية العالم عن طريق كتاب غير مخصص للاطفال ولا تمهد الفكرة بعقولهم اولاً، فقلت له انه لا داعي للغضب ما دام هذه هي الحقيقة، فقال انها ليست الحقيقة، و أن العالم سينتهي في أجل بعييد، واني سأستطيع ان احقق ما اتمنى على مهل، مثلما احب، هززتُ رأسي صامتة، فقال قولي ما لديك، قلت له قد خاب املي، وهذه كانت اول خيبة اذكرها، خاب املي في هذا العالم، كنت اريد الا ينتهي، ان ننعيش فيه للأبد كما يحلو لنا بلا قواعد ولا نهايات، قال لي والدي بحماس انه يمكنه صناعة عالم لي لا ينتهي، عالم مليء بما احب، مخلدة به بلا قواعد، والاجمل اني استطيع استدعاء من احب اليه! تحمست فقلت صارخة: كيييففف؟؟، شرح لي ان هناك ما يسمى بالخيال، عالم لا نهاية له، انا من اديره و اسوي تصرفاته وايامه وحياته وشخصياته، شبه لي الخيال بالرواية التي يكتبها الكاتب فيكتب ما يشاء ويستدعي من الشخصيات ما يشاء، فهمت فكرة الخيال، وهنا كانت رحلتي الممتدة لوقتنا هذا-ربما هذا تفسير لماذا احب روايات هاروكي-اصبحت عاشقة للخيال، اتخيل كل شيء، اتخيل اني في عالم اخر عصفور، و اتخيل اني ابي، وهكذا مضت ايامي متخففة برفقة الخيال، وفي يوم قررت ان اتخيل انني سماء، زرقاء صافية، ورحابة صدرها تتسع للجميع، لجميع انواع الطيور، للمطر، والاجمل من ذلك انها ممر للدعوات! ذهبت الى نافذة غرفتي فوجدت انها صغيرة لا يسعني التأمل والخيال، فقلت لأبي و خلال اسبوع كانت لدينا في المنزل حديقة كبيرة يحتويها عشب اخضر بلا سقف لأستيطع تأمل السماء، كم شعرت حينها اني مثل كرتون سالي، حينما كان والدها الغني يدللها بدمى جديدة وملابس جديدة وغرفة خاصة جديدة لدى مبنى انسة منشن، ومرة من المرات كنا نتأمل السماء في الليل انا وابي، فلمحنا شيء متوهج يجري في السماء بسرعة، قال لي ان هذه شهب، وانها في الاصل نجوم، لكنها تسقطت كلما بكى انسان على هذه الارض، وكم كنت احرص ان لا ابكي ابدًا، حتى لا انهي حياة احد النجوم المتألقة بالسماء، اما انا الان في سني الكبير هذا، متمددة في نفس الحديقة التي ذكرتها، لكن دون ابي، ارى شهاب يعبر السماء، من بكى في هذا الفجر حتى تسقط نجمة؟ام انها رجوم للشياطين وحان وقت انهاء الخيالات و الخزعبلات؟اشعر انه لا ضرر لها لذا استمتع بها حتى وانا كبيرة، قد ذكرت الفجر في الاعلى، لذا اخبركم اني اشعر ان العالم سينتهي يومًا ما عند وقت الفجر، والجميع نائم، من غير ان يشعرون او يتعذبون، سيخرج كوننا عن مداره ونهوي الى العدم، الى اللاشيء، لطالما كانت الكرة الارضية تحاول ان تخرج عن مدارها للتخلص من عبء من عليها-نحن- لم تنجح قط، لكن ستنجح حتمًا يومًا ما، لنعود الى الخيال، حين كبرت قليلاً لم ارى من العدل ان اتخلى عن صديقي الخيال، فتوسعت وصرتُ ارى افلام عن الخيال، و اقرأ روايات عن خيال، واخلق شخصيات من خيالي وامنحها شكلاً واسمًا ليصبحون اصدقائي، واقول لكم اني عشت حيوات كثييرة غير هذه الحياة، وجميعها تستحق العيش، بكل صدق وحب وامتنان و رفقة، اقول ان الخيال ساعدني في تقبل الحياة، زاد ايماني بها، كتبت هذه التدوينة لكثرة ملاحظتي ان الناس باتوا يعانون من نقص الخيال لا من كثرته، وهذا ما ازعجني، لطالما كان لي منقذ من وعثاء الحياة، لذا انصحكم به بدوري، اسمحوا له ان يتسلل الى حياتكم ويزيدها خفة و تقبل، واعلم ان لكل شخص منا حياته الخاصة في خياله الخاص عند الصغر، ان كنت توقفت عن السفر عبر الخيال والغوص به، فأكمله! وان كنت مستمر به حتى عند الكبر، فتعال لنصبح اصدقاء في خيالي.

Join