تدوينة الميلاد!

كنت مثل عادتي اقرأ رواية، حتى جاني اشعار من صديقتي غزل تذكرني بيوم ميلادي، وحقيقةً "صعقت كما يرتجف الصوفي في ذروة دورانه وهو يراقص معشوقه"، لأنني نسيته، ولأنه كان من الممكن ان يكون ميلاد منسي لولا تذكيرها، بعد ايام قليلة سأدخل ميلادي الثامن عشر، سأدخله وانا اتسائل هل على هذه الأرض ما يستحق الحياة مثلما قال درويش؟هل رائحة الخبز في الفجر و كتابات اسخيلوس تستحق ان نحيى لأجلها؟هل سأتعلم كيف اتعايش مع الخسارات؟هل سأخاف مع كل ميلاد جديد؟متى سيختفي هذا القلق مع كل عمر جديد اقضيه في هذا العالم؟ هل سأمرر الحياة من تحت الطاولة دومًا؟ هل سأدرب نفسي على الحياة مثلما يدرب العالم اغراره على السلاح والنيل؟هل سأغلف حياتي بالورق مثلما قال ماهر القيسي؟...لن ابلغ الثامنة عشر مرتين بالطبع، لذا سأجعل مرّتي الاولى مخلدة في هذه الشبكة العنكبوتية، الجميع يعتقد ان سن الثامنة عشر بوابة لحياة للإستقلال والنضج، اما انا دومًا اسأل: ما اهمية ان يدخل المرء سن الثامن عشر؟ واليوم تلقيت الجواب..لا اهمية لذلك، طوال تلك السنين كنت اسعى لتهذيب انانيتي بالحب، اعلم نفسي الصبر اكثر، ان اخرج بأقل الاضرار بعد عجن الحياة لي، ادرب عقلي على الهدوء وعدم الهيجان والاندفاع، اعلمني كيفية السباحة حتى استطيع ان ابقى حية عندما اغرق ببحر الحيرة والتشتت، وكم كان هذا شاقًا على طفلة صغيرة! لم اكن طفلة ساذجة-وكم تمنيت ان اكون ذلك-كنت اشبه الكبار، لم افعل تصرفات طائشة، ولا مغامرات شيقة، ولم افعل شيء مخجل او سخيف حتى اتذكره عندما اكبر واروح ضاحكة على تصرفاتي عندما كنت مراهقة، على العكس، مضت فترة مراهقتي بتعقل شديد، ولحظات مطمئنة وفرِحة عديدة، ايام متخبطة، تارة سعيدة وتارة مكتئبة منهارة باكية عند والدي، واحيانًا كنت مختبأة داخل قلقي، داخل حكمة لا أحبها، في الصبح اقرأ واستمع لمعزوفات عشوائية، وفي المساء أستمع الى صمتي الذي يأتي من الداخل، بالطبع مررت بفترات فاشلة ومشتتة وقلة مسؤولية وغباء، كانت مبادئي هشة وبلاستيكية قابلة للطيّ و التشكل بحسب الموقف، ومشاعري شفافة، وكلماتي محدودة لا تصلح للإستخدام الا مرة واحدة، وهكذا مضت فترة المراهقة التي لم اراهق بها، سبعة عشرة عامًا مضت تعلمت من خلالها اشياء كثيرة، تعلمت ان الحياة تولد الخيبات، تعلمت ان الاهم هو ان احب نفسي وارفق بها، تعلمت على الامتنان، والتأمل.. لا اخاف من ان اكبر، اخاف من تحولي الى العدم، اخاف من ان اتلاشى، اخاف ان تكون رناد هذه في العمر القادم قد تبدلت لرناد جديدة لا اتعرف عليها، لا احتفل دومًا بأعياد ميلادي عادةً، ولا اتمنى اي أمنية، لكن في هذا الميلاد سأتمنى، أتمنى أن أنطق تلك الكلمات التي لطالما ابتلعتها بداخلي خوفًا من مواجهة الحقيقة التي تحملها، أتمنى ان يتلاشى خوفي، أتمنى أن يهدأ هذا القلب ولو للحظة، ان يتوقف عن الرجفة والهرب حين يقترب منه أحد، أتمنى ان تخترق رطوبة البهجة جدران قلبي، وبطبيعة الحال في كل ميلاد جديد أجدد امتناني لشمس التبريزي، ولا تزال وصيته تصاحبني في كل عمر جديد، لن اخشى الموت، سأخشى الحياةَ بلا حياة. و أنت؟ماذا تتمنى لي؟

Join