الى الذين اعتدنا ان نناديهم بالأصدقاء، والحقيقة اننا كنا غرباء.


  

اكتب الليلة عن خيبات الاصدقاء، تلك التي حاصرتنا سنوات عديدة، وخلفت ورائها جروح عميقة لم تلتأم يومًا، عن تلك التساؤلات التي عذبتنا كل ليلة بسببهم، وعن تلك الثقة التي فقدناها في الجميع من بعدهم، وعن ايماننا بالوعود، الذي اختفى بعدما تعرضنا لخيباتهم، هل تذكر اول خيبة تلقيتها من ذلك الذي تدعوه بالصديق؟هل سمعت صوت شيء ينكسر بداخلك؟هل لاحظت بأن هناك جزء سُلب منك وبات فارغًا؟هل ادركت بعد مدة انه ثقب لن يختفي يومًا؟كيف كانت ليلتك يومها؟ وكيف كان صباحك مليء بالألم وحبس الدموع، اول ليلة لي بعد خيبة من صديق كانت هادئة، وبطيئة كالخلود، لم ابكي فيها، ولم اتألم، لم اعي حجم الألم الذي سأقبل عليه في الليالي الاخرى، لذا ظننت انني لم اتألم من الخيبة هذه لأني قوية، لم اعلم انها اثار الصدمة، وهدوء ما قبل الانهيار، استيقظت بهدوء ايضًا، راكدة مثل السماء حين تنبئ عن قدوم الامطار، عشت روتين يومي نفسه، وحين انتصف اليوم، بدأت أعي ما حصل، وما تعرضت له، وبدأت انهار بهدوء مثل شمعة تحترق في زاوية الغرفة، ببطء، مرت ليالي عديدة مشابهة لهذه الليلة، انهيارات مفاجئة وفرط دموع، كانت حتى اسخف الاشياء تجعلني ابكي، مضت هذه الايام واصبحت من الماضي، تحررت من تلك الخيبة وغادرت ذلك الصديق، مضت السنين وصادقت اخرين واكملت دورة الحياة، حتى اصطدمت مرات عديدة، بخيبات كثيرة من اصدقاء جدد، وقفت حينها و انا اشعر بالألم مجددًا، ولكن هذه المرة..كان ألم مألوف، لم اتألم مثل المرة الاولى، الانسان حين يعتاد على امر ما يألفه، وأنا والألم اصبح بيننا ألفة وخبز وملح، الذي لم اعتاد عليه ولا اظن انني سأعتاد عليه هي تلك الذكريات التي بيننا، لا اطيق الذكريات حين تطل لي برأسها عند كل اغنية نتشاركها مع اولئك الذين لا نريد ان ننطق اسمهم حتى بالصدفة، لا استطيع التأقلم مع قفز الذكريات في رأسي بشكل مستمر لأصدقاء غادروني منذ سنين عديدة، ولا استطيع ان امحي الذكريات اللعينة، كل هذه الذكريات المحشورة بداخلي تولّد أسى عميق يصعب التعامل معه ويجعلني اتلوى.هل سألت نفسك لمرة عن حالهم بعدما غادرتم بعضكم البعض؟هل يتألمون مثلك ويعانون من ألم مألوف وازدحام الذكريات؟أنا سألت، وفي كل مرة اجد ان الجواب لأ، اشعر انني مثل ذلك الذي كان في معركة دموية، والجميع نجى، عداه، اشعر ان جميعهم يعيشون حياتهم، متجاهلين كل ما حصل بيننا، وانا في المنتصف ضائعة بين ما حدث، وقلقة على ما سيحدث في المستقبل، بعد خيبات كثيرة من اللذين كنت تناديهم بالاصدقاء والحقيقة الغائبة انهم دومًا كانوا غرباء، لكنك لم تعي هذه الحقيقة، الا عندما تألمت منها، بعد كل هذا ستقرر ان تعتزل الاصدقاء، وان تكتفي بنفسك، تتكور على نفسك كل ليلة في السرير، لا تقول لأحد”تصبح على خير”ولا تستيقظ من نومك لتلبية نداء صديق حزين، لا تشارك كوب قهوتك مع احدهم، ولا اغانيك المفضلة، وعوضًا عن هذا كله، ستفضل ان تبقى بصحبة نفسك، وان تضع الحدود لمن هم حولك، وتعاملهم بجمود، وتذهب (لتويتر )حتى تفرغ ما بداخلك، لأنك لا تملك شخص حقيقي لتستند عليه وتلقي عما بداخلك، وهذا يا صديقي ثمن الثقة المفرطة التي منحتها لهم، وهناك لعنة اخرى ستصاحبك، تلك التي حين تقرر ان تخطي خطوة خارج عزلتك وتفتح باب الصداقات من جديد ستزرع الشك بداخلك وتقول لنفسك في كل مرة تلتقي بأحدهم: هل يشبه الآخرين؟


Join