مع الايام ادركت أنني اكرر نفس الروتين واترك مساحة صغيرة لخوض تجارب جديدة، لقد كانت قصيرة وبسيطة احيانا تعجبني واحيانا لا احبها ولا بأس في ذلك فمن خلالها اكتشفت اني اكثر انفتاحا مما كنت اعتقد سابقا و معها اصبحت جاهزة لاحتضان تجارب اعمق بدون خوف او تردد، وشيئاً فشيئاً تحولت قائمتي البسيطة الى قامة لا تنتهي من التجارب التي ارغب بخوضها. 

لكن قبل ان أقحم نفسي في فوضى الانجاز و تتملكني رغبة القيام بكل شيء قررت ان اتمعن في التجارب التي استمتعت بها، وهذه الخطوة كانت جوهرية فقد ساعدتني كثيرا في تقدير الوقت المستغرق لتنفيذها و ادراك الجهد المبذول وشعرت معها بالرضا والسعادة.

فهناك قوة نكتسبها من خلال خوضنا للتجارب او حتى عند خضوعنا لها بدون اختيار، لكن نحتاج الى اخذ الوقت الكافي لاستيعاب تلك القوة واضافتها الى رصيد حياتنا، وهذا ما فعلته عندما قمت بتحويل بعض تلك التجارب القصيرة الى مشاريع شخصية استمرت لعدة أشهر قد تصل الى سنوات وأحيانا تتحول الى عادة اثيرة أحبها او هواية امارسها بشكل متقطع، واعتقد ان الكثير منها ساعدني في ان أصبح أفضل

اتحدث عن المشاريع الشخصية والتي لا تهدف الى الربح المادي بل نقوم بها لمجرد الاستمتاع بالحياة او للاحساس بقيمة الانجاز او حتى لتغذية قوتنا الابداعية للعمل،

فيمكن ان ينظر للمشاريع الشخصية ان لم تكن بهدف جني المال على انها هدر للوقت واضاعة للمال، وأحيانا يساء فهمها على انها ناجمة من الفراغ، ليس بالضرورة ان تكون كذلك، فهي اشياء نستثمر فيها وقت وجهد خارج نطاق العمل لغرض اثبات وجهة نظر او تحسين مهارات شخصية او انتاج اعمال فنية او حتى نخوضها بدون هدف واضح ومع الايام قد تتطور وتتحول

الى مشروع تجاري لكن ليس بالضرورة ان يكون هذا هدفنا الاساسي.

من تجاربي المحببة تجربة الرسم بالقلم الرصاص والفحم، في البدء التحقت بدورة قصيرة استغرقت اسبوع ومارستها لبضعة أشهر للمتعة وتوقفت عنها لعدة سنوات بسبب الملل، لكن عندما نقلت الى شقتي الجديدة حولتها الى مشروع شخصي بهدف اتمام اللوحات المطلوبة لتزيين الشقة، لقد استغرق الامر مني سنتين حتى انتهي منها لكن خلالها اكتسبت بعض الخبرة،  لقد كانت تجربة للمتعة نتج عنها مشروع شخصي انجزت من خلاله لوحاتي الفنية

تجربة العزلة، في البدء لا اعلم لما اقدمت عليها فهي لم تكن بهدف واضح ولم اخطط لها لكن حالما عرضت علي اغتنمت فرصة الاعتزال والاختلاء بنفسي لبضعة ايام وبدون اي كتب او حتى وسائل اتصال، كانت قصيرة لم تتجاوز اسبوع واحد لكن احببتها جدا و نجم عنها  تجربتي في الحد الادنى من الاتصال سعيت من خلالها الى تقليل اجهزتي الالكترونية وتقنين تواجدي متصلة بالشبكة استمرت التجربة عدة اشهر وسرعان ما تحولت الى نمط حياة (Digital Minimalism)

ايضا على مدار السنوات الماضية عملت في مجال التحرير وكتابة المحتوى الابداعي في مجال الطعام وصناعة الاغذية والتي كانت تتطلب نوع معين من التصوير، صياغة محددة، الكتابة عن اصناف مكررة ناهيك عن الجداول التي يتم الالتزام بها والميزانيات التي لا يمكن تجاوزها، وبرغم انها ساعدتني على التطور واكتساب مهارة الانجاز والتكيف بحيث سهلت من تنفيذ الاعمال التي تلتها الا انها كانت مقيدة من حيث الابداع الشخصي.

وحتى لا أفقد شغفي قمت بتجربة انشاء مدونة طعام وحكايا و من خلالها قمت بعرض الكثير من الافكار الشخصية سرعان ما تحولت مشاريع تم تنفيذها للعمل، اما الباقي منها فقمت بتنفيذها كمشروع شخصي للمتعة والتوثيق ومع الايام اكتسبت عادات مثمرة منها الاستمرار في توثيق وصفات الاسرة، اختزال المذكرات وتحويلها الى حكايا واقاصيص،خوض تجارب غذائية ممتعة مثل سلطة لكل يوم، وبعضها توقفت عنها حالما تمكنت من تحقيق الغاية منها، لكنها ساعدتني على صنع ذكريات لا تنسى منها تعليم ابنتي التصوير الفتوغرافي، فتح متجر الكتروني لبيع الحلويات والمخبوزات والذي جنيت منه بعض المال واستخدمته في تغذية قائمتي من التجارب

فالتجارب نبدأها مثل سباق صغير ندرك فيه اننا سنصل الى خط النهاية، لكن عندما نحولها الى مشروع شخصي تتحول الى ماراثون نتطلع الى نهايته بدون ان نعرف ان كنا نملك القدرة على اتمامه، ومع الايام نكتشف تلك القدرات وتظهر العقبات ونواصل الركض، ونتعلم كيف نتجاوزها وحالما نصل الى خط النهاية، سنكون فائزين بالتأكيد لأننا سوف نخرج باكتشافات جديدة عن أنفسنا وهذه هي المكافأة الحقيقة والتي تتشكل في مجموعة المهارات التي اكتسبناها طوال الطريق فتتحول تجربتنا الى تجربة فريدة نادرا ما يمكن تكرارها