يوم الدينونة وقصة الإله ١
نتفلكس في زمن الكورونا
" فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ (١٠) يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ”
سورة الدخان
I think we invented God. So if I believe in God, and I do, it's because I think I'm God.
Morgan Freeman
بالامس شاهدت احد حلقات البرنامج الوثائقي The Story of God with Morgan Freeman حيث يقوم الممثل الشهير مورغان فريمان بإستكشاف وتحقيق ومحاولة فهم أسئلة كبرى عن الحياة والالوهية والموت وذلك عبر رحلة يحاور فيها أصحاب ديانات ومذاهب مختلفة والاستماع الى وجهة نظرهم حول كل موضوع. البرنامج في موسمه الثالث حالياً . من ضمنها كانت حلقة عن بدء الخلق، واخرى عن قوى المعجزات، وحلقات عن الجنة والنار والشيطان والموت، وكل حلقة مثيرة أكثر من سابقتها. لا شك بأنني أوصي بمشاهدته وأعدكم بتجربة بصرية رائعة ومعلومات ثرية.
ولكن حديثي معكم اليوم عن مشاهدتي للحلقة التي حملت عنوان Apocalypse التي تعني باللغة اللاتينية ”رفع الحجاب ” وتترجم في لغة اليوم بنهاية العالم .
يطوف مورغان فريمان العالم للتعرف على وجهة نظر الاديان الرئيسية حول يوم الدينونة، فيذهب الى القدس وقمران بقرب البحر الميت ليستمع الى وجهة النظر اليهودية ثم يغادر الى روما، قلب العالم الكاثوليكي المسيحي ليدور الحديث حول ماهية المسيح الدجال وعلاقة الرقم ٦٦٦ بعدو المسيح.
بعد ذلك, يعود فريمان الى الولايات المتحدة وبالتحديد في مدينة نيويورك ليقابل أحد القيادات السابقة لحزب اسلامي جهادي متطرف كان يدعو الى احياء الخلافة، ويتطرقون الى دور داعش الذي كان يؤمنون بأن معركة نهاية العالم ستحدث في مدينة دابق بسوريا، وأنه من بعدها سيسقطون الولايات المتحدة التي تمثل روما القديمة في نبؤة نهاية العالم بالنسبة لهم !
بعد ذلك ينتقل الى فريمان الى مفهوم اخر، وهي نبوءة نهاية العالم حسب تقويم حضارة المايا، فيسافر الى الى عاصمة المايا القديمة في مدينة تيكل في غواتيمالا ويلتقي المتخصص في تفكيك نقوش شعب المايا ستانلي جونتر الى يوضح أن نبوءة حضارة المايا بنهاية العالم مجرد اشاعة ومعلومة اسيئ فهمها.
في نهاية رحلته ينتهي المطاف في الهند، حيث يلتقي مورجان فريمان كارمابا ، احد الشخصيات البوذية المقدسة في العالم ، ليسأله عما تعنيه نهاية العالم في البوذية. ليكتشف بأن مثل هذه المفاهيم لا توجد لديهم، بل ما يؤمنون به بأن لكل بداية نهائية ولكل نهائية بداية جديدة وهكذا بشكل أبدي، وأن ماعليهم البحث عنه وايجاده هو التنوير.
لا أخفيكم، بأنه وعلى الرغم من متعتي من مشاهدة الحلقة الهوليودية بإمتياز إلا أن أملي قد خاب قليلاً، فالمؤمن بداخلي كان ينتظر شواهد أكثر تمييزاً أن صح التعبير. فنحن قد تربينا ونشأنا على أن يوم الدينونة قادم لا محالة. فالله عز وجل يقول: “يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُوْلَـئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ“ . ويتوجب عقلاً أن اليوم الاخر أو يوم القيامة كما هو شائع لدينا يعني أن تسبقه نهاية لهذه الدنيا، لتبدأ مرحلة الحشر الى نهاية الحساب بين تلك الامم. ولكن مالذي يقدمه الاسلام لنا في رؤيته حول نهاية العالم ؟
في البداية علينا أن نتفق على أمر ما، أنه يجب التفريق بين نهاية البشرية وبين تدمير الارض ونهاية الكون في الميثولوجيا والاساطير والأديان من جهة وبين العلم الحديث من جهة اخرى.
ففرضية نهاية الجنس البشري بشكل علمي متجرد هي مسألة مطروحة ومحل نقاش منذ زمن طويل فيما يسمى بالمخاطر البشرية، وهي التي تهدد مستقبل البشر سواء الناجمة عن أسباب طبيعية أو بسبب الإنسان نفسه القادر على إهلاك بني جنسه. وقبل أن أنخرط أكثر في الحديث حول هذا الموضوع الممتع، علي أن استدرك سبب كتابتي هذه التدوينة، وهي عن نهاية العالم وفق الاديان والميثولوجيا.
فعبارة ” نهاية العالم ” تنبأ عن وقت معين حيث يتدمر فيه كوب الارض، أو الكون، أو نهاية البشر. وهذا المفهوم تجده في جميع الديانات الابراهيمية الثلاثة بكافة مذاهبها ولكن وفق صياغات ودلالات مختلفة. وكذلك لا تخلو بعض الاساطير الاغريقية الاسكندنافية وحتى المصرية حول نهاية العالم. وأن كانت طوال ألوف ومئات السنين طي الكتب والكتاتيب ولايطلع عليها إلا قلة من الناس، إلا ان تطور مجتمعاتنا والصناعة الأدبية والسينمائية المذهلة استطاعت استلهام الكثير من المواضيع الدينية والميثلوجية وتقديمها للمشاهد العادي وتقريب المفاهيم، حتى وإن كانت من سبيل الترفيه. وليس كذلك فحسب، بل أسس المهتمين علم يسمى بالإسكاتولوجيا له ناشطوه وفقهائه وخبراءه لدراسة ما يعتقد انها الاحداث الأخيرة قبل يوم الدينونة.
أتوقف هنا لألتقط معكم قسطاً مع الراحة، على أن نعود لاستكمال حديثنا السابق.