يوم الدينونة وقصة الإله ٢

نتفلكس في زمن الكورونا ٦

كيف ستكون نهاية عالمنا ؟ معركة بين الخير والشر ؟ كوكب عملاق يمحق الحياة من الأرض ؟ حرب نووية يشنها المجانين لتدمر الجميع ؟ أو صوت بوق يعلن نهاية الارض بمثل ما جرس المدرسة يعلن نهاية الحصة الدراسية ويأذن بالطلبة بالخروج. !

إذا قامت الساعةُ وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها

حديث شريف

قلنا أن يوم الدينونة ينبأ عن وقت معين حيث يتدمر فيه كوب الارض، أو الكون، أو نهاية البشر كنوع، وأن هذا المفهوم تجده في جميع الديانات الابراهيمية، اضافة الى العلم الحديث الذي بدأ يهتم في دراسة التهديدات الطبيعية والبشرية لانقراض الانسان او تقليص أعداد البشر بشكل مهول. وكذلك ساهمت الصناعة السينمائية في تقريب تلك الافكار والسيناريوهات إلى ملايين البشر أكثر مما استطاعت الكتب ونقاش العلماء وحتى رجال الدين. 

فأفلام نهاية العالم أضحت من أعلى الافلام تحقيقاً للإيرادات في السينما، سلسلة افلام The Matrix  تتحدث عن صراع بين الالات والبشر نتج عنه سيطرة تامة للذكاء الاصطناعي على حساب الاقلية البشرية التي نظمت حركة مقاومة للبقاء. رغم متعة الفيلم، إلا أن المخاوف من انقراض البشر بسبب التطور التقني الصناعي هي محل اهتمام كبير في الاوساط الغربية، إيلون ماسك، الغني عن التعريف مبتكر باي بال وتسلا ومشروع سبيس اكس،حذر مراراً في ومناسبات عديدة من خطورة ما وصفه بأكبر مهدد للانقراض، وربما هذه المخاوف التي دفعته للاستثمار في الكثير من شركات الذكاء الاصطناعي، ربما ليبقي عدو البشرية كما يعتقد قريبً منه وتحت المراقبة. وبالمناسبة، بيل قيتس سبق وأيد مخاوف ايلون تلك، بأن وبعد عدة عقود من تطور الذكاء الاصطناعي فأنه سيكون قوياً ليثير الاهتمام. وأنها ستكون حلول واعدة ولكن خطيرة، وشبهها بالقدرات النووية التي بالإمكان استخدامها لتوليد الطاقة او لصناعة الاسلحة المدمرة.


لا انسى فيلم ويل سميث I am legand وكيف انتشر وباء حول اغلب البشر الى وحوش زومبي تطارد الأحياء، ولكن لأول مرة يقدم لنا صورة مختلفة عن "الاموات الأحياء” بأن لديهم المشاعر والتنظيمات والتفكير الذي مازال بشرياً. وأن كنت تعقد أن تحول الانسان الى زومبي هي محض خيال، فعليك مراجعة معلوماتك، فوفقاً للدكتور بيتر كومينقز عالم الاعصاب في جامعة بوسطن يقول إن متلازمة كلوفر بوسي هي أقرب الحالات التي يمكن أن نشاهد اعراض الزومبي السينمائية على المصابين بها في حالات متطرفة، ويشير الدكتور ايضاً الى مرض نادر انتشر بشكل مهول أثناء وباء الانفلونزا الاسبانية ويدعى بالتهاب الدماغ النوامي حيث يهاجم المرض الدماغ ويصيب الضحايا بحالة عجيبة من الاعراض منها عدم القدرة على النطق الكلام وخلل في الادراك والحراك.


وفي فيلم The Book of Eli بطولة دينزل واشنطن الذي يغامر لانقاذ النسخة الوحيدة من الانجيل بعد كارثة نووية أعادت البشرية الاف السنين الى الوراء. وربما، نحن أكثر استيعاباً لقابلية دمار الارض بسبب كارثة نووية أكثر من الزومبي وحرب الروبوتات، أليس كذلك ؟


وأما نهاية العالم بسبب الكوارث الطبيعية نتيجة تغيير المناخ وارتفاع درجة حرارة الارض وتسارع ذوبان جليد القطبي الشمالي والجنوبي او تعرض الارض لهجمات من الفضاء من كويكبات وحطام المجرات، فالسينما قدمت عشرات الافلام التي صورت لنا مدى فداحة الامر لو حدث، واحتمالات حدوثه في الحقيقة واردة ومتوقعة نتيجة عدم الاكتراث البشري في السياسات الدولية تجاه الجدية لمعالجة هذه التحديات، الى جانب وجود احتمالية دائمة وان كانت تحت المراقبة المستمرة لتعرض الارض النيازك وكويكبات مدمرة.


لكن دعونا الان من وساوس العلماء وجموح خيال هوليود، ولنعود الى ما تقوله الأديان السماوية والاساطير القديمة حول نهاية العالم.

في الاسلام، مثلما ذكرت في التدوينة السابقة، فإن اليوم الاخر هو ركن من أركان الإيمان، ويشار اليه بيوم القيامة والساعة، وهو يوم الحساب لجميع المخلوقات بعد أن اماتها الله، منذ الخليقة الأولى.

وإذا ما اردنا استشراف مالذي يسبق يوم القيامة بالنسبة لنا، نجد أن الروايات المتواترة تشير الى علامات على قرب حدوثها لتكون دليلاً للبشر بأن وقتهم على الارض قد اصبح محدوداً للغاية، وتذكرة للعاصي منه للتوبة وليس نهاية مدمرة تفني البشر. ففي أدبيات الاسلام يوجد مصطلح أشراط الساعة، وقد قسمها المختصين الى علامات الساعة الكبرى علامات الساعة الصغرى. وأشهر تلك العلامات التي يعرفها كل مسلم هي ظهور المسيح الدجال، وشروق الشمس من مغربها، ونزول عيسى عليه السلام، وظهور يأجوج ومأجوج وفسادهم في الارض (لا أنسى الكوابيس جراء معرفتي بهذا الرعب القادم وأنا طفل وكيف مضت ليالي كثيرة وأن اختبئ تحت السرير مخافة منهم). لذلك تجد في الاسلام، أن هنالك سلسلة من الاحداث العظيمة التي يواجهها البشر في نهاية وجودهم في الارض قبل يوم القيامة. وأنهم وبعد تلك الاحداث وانتهاءها سوف تستمر الحياة الى أن تنتهي اخر اشراط الساعة، وهي خروج الشمس من مغربها، فلا تنفع توبة تائب بعدها، ويموت اخر انسان. فتبدأ الارض بالدمار في سلسلة مرعبة، فتفجر البحار، وتطير الجبال كالعهن المنفوش، وتتصدع الارض تطوى السماوات.

وفي المسيحية لا يمكن إغفال رؤيا يوحنا وهو من أسفار العهد الجديد، حيث يمتلأ بالعديد من الرمزيات أهمها عودة المسيح ونصرته للكنيسة، ورؤيا سبعة ملائكة يحمل كل واحد منهم بوقاً، ويتبع كل بوق خراب يحل بالعالم حتى البوق الاخير الذي يعلن يوم الدينونة وقيام الساعة. ففي الانجيل أنه وبنهاية الف عام من عودة المسيح فإن الارض وما عليها سوف تحترق.

وفي إنجيل متى، إصحاح 24 فهنالك مشهد عن المسيح يتحدث مع تلامذته عن يوم القيامة وعلاماتها، وهي في الحقيقة لا تختلف كثيراً عما يوجد في أدبيات المسلمين عن أشراط الساعة.


وليس المسيحين والمسلمين من يؤمنون بعودة المسيح قبل قيام الساعة ونهاية العالم فحسب، فاليهود يؤمنون بخروج المسيح الخاص بهم، طبعاً ليس بعيسى الذين لا يعترفون اساساً به.

فهم يعتقدون بظهور المسيح المنتظر - والذي يغلب الظن عند المسلمين بأنه المسيح الدجال- وسوف يجمع شتاتهم وينظم صفوفهم ويقودهم في معركة فاصلة للحق ضد الباطل، لليهود ضد الاغيار، معركة هرمجدون في فلسطين.

"عظيمة باتت ضوضاء البشر وبسببها أنا منزعج وبسببها لا يطرأ الكرى جفوني فليكن هناك طاعون وبلحظة خاطفة فلتضع الأوبئة حداً لضجيجهم"

ملحمة الخلق البابلية

حين الكتابة عن تلك الملاحم، لا أستطيع تجاهل الميثولوجيا والاساطير القديمة عند الشعوب والامم، فقبائل الفايكنج في الدول الاسكندنافية كانت تؤمن بتعدد الالهة والمخلوقات العجيبة وتعدد العوالم، على غرار أودن ولوكي وثور ( نعم ثور الذي قدمته هوليود ومطرقته العظيمة) يؤمنون بأن نهاية العالم ستكون معركة نهائية بين الالهة الاخيار والاشرار، وتسمى ب (راغناروك) وفيها يقوم ثور، الاله البطل بخوض معركة شرسة مع يورمونغاند الافعى وهو ابن للاله لوكي الشرير الماكر والمحتال، حيث بعد ولادة يومونغاند تنبأ الاله الاعظم لديهم أودن بأن هذا المخلوق سيكون مصدر شر وخطر على الاله والبشر، فألقاه في المحيط ولكن يورمونغاند قد نجا ونما بشكل ضخم الى درجة انه استطاع أن يحيط الارض بجسمه. وفي المعركة النهائية بينه وبين ثور يقتل كل منهما الاخر، مطرقة ثور وسم يورمونغاند. وليس هؤلاء من سوف يقتلون فحسب، بل حتى اودن ولوكي وفنرير وهايمدال. سوف يموت الجميع من كل الالهة والعمالقة والبشر وتتدمر العوالم . ولكن بعد هذه الكارثة، سوف ينجو رجل وامرأة من البشر، وأبناء أودن وأبناء ثور. وسينبثق عالماً جديداً أفضل مما سبقه.


وقد يسأل البعض، ماذا عن الفراعنة ؟ في الحقيقة، لا احد يجهل قدسية الموت عن الفراعنة وايمانهم بوجود حياة ازلية بعد الوفاة، وأعمالهم الشهيرة في تخليد امواتهم وتجهيزهم لرحلة الاخرة. ولكن وفي نفس الوقت، لا يوجد أي دليل علي اعتقاد الفراعنة بوجود يوم فاصل قبل الاخرة، فنهاية البشر بالنسبة لهم هي حالة فردية تبدأ بموته.


على كل حال، وأينما كانت درجة ايمانك ومخاوفك من الكوارث التي ستحل على البشرية قبيل نهاية العالم، فغالباً سوف لن تصل اليك، وربما لعدة أجيال من ذريتك، لذلك لا تقلق من تفشي وباء كورونا اليوم، فالعالم قد مر بما هو أبشع وأكثر فتكاً للبشرية منه، وكما ترى فأننا في هذا العام سوف نناهز السبعة مليار انسان على وجه البسيطة.


بالمناسبة، للباحثين عن المتعة في نهايات العالم، سوف يعجبك تصفح هذه القائمة المثيرة عن تنبؤات نهاية العالم وتواريخها المتوقعة : أضغط هنا

 

Join