أنسنة الشخصيات

النص البديع هو ذلك النص الذي ما إن تقرأه مرة حتى يدفعك بشدة لقراءته مرة أخرى وأخرى ومجددا تلو أخرى.
نص يستطيع أن يصفك تماما أو في الحقيقة نص قد كتب لأجلك.
يصف : هيئتك، شخصيتك ولغة جسدك.
حتى مخارج الحروف المبعثرة التي تسقط معها سهوا في حال غضبك.
وهنا يكمن فنّ كتابة الرواية.

كنت ولازلت أحاول أن أخوض هذا العالم الآخر.
المختلف عن باقي العوالم، المتفرد عن باقي الكتابات و المتبحّر في تفاصيل عميقة ..والذي لم أستطع أن أصل إلى هذا العمق بعد.
أصابتني حالة الارتياب تلك.
التساؤل المنطقي الكامن في العقل الواعي : ماذا بعد؟!
لم أجد الإجابة بطبيعة الحال حتى وجدته عند تشيخوف.

الكاتب الذي لا مشاعر له لا إبداع له

مجهول

العبقري الروسي.
الذي لا يكتب عن عالم لا يعرفه جيدا، ولا يخوض في رحلات استكشافية جديدة ولا يهتم كثيرا بالتفاصيل الخارجية : الثياب،الغرف والمناطق الجغرافية.
لكنه يستغرق في تحليل شخصياته كما لو أنه يدرس حالة نفسية أو
ربما يشرّح جثة هامدة.
يقترب من تلك التفاصيل الحساسة والممنوعة والغير مستبصرة أيضا: الدواخل والرغبات.

في حين يتحرى الكاتب أن يكتب بعناية فائقة لقرّاءه في وضوح المعنى وإيصال الفكرة.
يفعل تشيخوف عكس ذلك ويكتب دون مراعاة لمشاعر القارئ حينها،
ولكن يفعلها بعبقرية حذقة حيث يتبنى مبدأ الحيادية.
” لا انحياز شخصيا في الكتابة. كن موضوعيا وبسيطا “ هكذا ينصح الكتّاب الآخرين.
ولكن السؤال : هل فعلا الكتابة الجيدة تشترط عدم الانحياز؟
يقول عنه إيليا إيرينبرج : “يوجد في أعماق تشيخوف دائما عداء نحو التخمة الروحية، نحو المخلوقات الطفيلية نحو عالم البورجوازية “
وهكذا يا سيداتي ياسادة : الأمر ليس بتلك السهولة.
وليس بتلك السذاجة أيضا.
الأمر كله هو أن تشيخوف لم يكن ليصبح كاتبا مسرحيا معروفا لو أنه لم يأنسن شخصياته بموضوعية تتناسب ردود أفعالها مع صراعاتها الداخلية.

Join