يوفنتوس ورونالدو
الصعود إلى الهاوية
في صيف عام 2018، استبشرت جماهير بطل إيطاليا حول العالم بالتعاقد مع النجم البرتغالي كريستيانو رونالدو قادماً من ريال مدريد بمبلغ يقارب 116 مليون يورو كأعلى صفقة يبرمها نادٍ إيطالي في تاريخه. فصفقة بهذا الحجم والاسم، رفعت من مستوى تفاؤل جماهير يوفنتوس العاشقة في تحقيق هدفها الأول وهو الفوز ببطولة دوري أبطال أوروبا الغائبة عن خزائن النادي منذ 1996، خصوصاً بعد الانتكاسات المريرة المتمثلة في خسارة 5 نهائيات منذ ذلك التاريخ. فنادٍ بقيمة يوفنتوس، يصعب تصديق واقع تحقيقه لهذه البطولة الكبرى في مناسبتين فقط خلال تاريخه. ولكن ما يجب علينا تصديقه هو أن إدارة اليوفي كان هدفها "الأسمى" من هذا التعاقد مختلف عن هدف عشاقه حول العالم وهو ما قد يكلف النادي الكثير.
سقوط الكالتشيو
منذ الثمانينيات وحتى أوائل القرن الحالي، سيطر "الكالتشيو" الإيطالي على الساحة الكروية الأوروبية والعالمية، وكان محط أنظار جميع عشاق كرة القدم حول العالم في ذلك الوقت. فقد كان الدوري الإيطالي غاية المشجع المتيم بمشاهدة بطولة تنافسية كبيرة بين عمالقة الأندية كيوفنتوس وميلان والإنتر، بالإضافة إلى كونه الدوري الحاضن للنجوم الطامحين للوصول لقمة المجد من شتى أنحاء العالم. في تلك الفترة، كان حضور ميلان ويوفنتوس قوياً على المستوى الأوروبي، وقدم خلالها نابولي منافسة قوية بقيادة مارادونا، واقتنص كل من فيرونا وسامبدوريا بطولة للسكوديتو.
ولكن، ومع بداية الألفية الجديدة، بدأ الدوري الإيطالي في مواجهة خصوم قوية ممثلة بالدوري الإنجليزي والاسباني أفقدته مكانته المعهودة. وعندما حلت انتكاسة "الكالتشيوبولي" في 2006 وهبوط يوفنتوس إلى دوري الدرجة الثانية (Serie B)، تسارعت سمعة الكالتشيو في السقوط لدرجة أنّ البعض فقد ثقته في نزاهة المنافسة، والبعض الآخر فقد إيمانه في جاذبية الدوري الإيطالي من الناحية الاستثمارية والتسويقية. كل ذلك لم يخدم مصالح الأندية الإيطالية - وعلى رأسها يوفنتوس المتضرر الأكبر -، وبدأت معها معاناة المحافظة على إيرادات للأندية تكفل لها استدامتها. وبالرغم من هذه الظروف التي أحاطت ولا تزال تحيط بالأندية الإيطالية، إلاّ أنها – كغيرها - تسعى لتحقيق نجاحات داخل الملعب (رياضياً) وخارجه (تجارياً ومالياً).
عودة يوفنتوس
بعد تحمّل يوفنتوس لغالبية تبعات الكالتشيوبولي، أثبت يوفنتوس أنه من طينة الأندية الكبار. ففي الثماني سنوات الماضية، نهض يوفنتوس وعاد وسيطر على الساحة المحلية بتحقيق 8 بطولات متتالية للدوري (رقم قياسي)، و 4 بطولات متتالية لكأس إيطاليا (رقم قياسي)، كما نافس على الساحة الأوروبية وكان النادي الإيطالي الوحيد الذي يصل لنهائي دوري أبطال أوروبا مرتين.
سيطرة يوفنتوس المحلية ونجاحاته النسبية على صعيد البطولة الأوروبية مدعومة بافتتاح ملعبه الخاص في عام 2011 ساعدت النادي على النهوض ونمو الإيرادات خلال المواسم الماضية. ففي مقارنة بين بداية هذه الفترة في موسم 2012/2011 وموسم 2019/2018، ارتفعت الإيرادات الإجمالية للنادي – بدون احتساب إيرادات بيع اللاعبين – بنسبة 138٪ من 195 مليون يورو إلى 464 مليون يورو محتلاً المركز الأول على مستوى إيطاليا والعاشر عالمياً من حيث قيمة الإيرادات بحسب تقرير الصادر من Deloitte Football Money League في يناير من هذا العام.
فيما يخص سوق انتقالات اللاعبين، فقد حققت سياسة يوفنتوس نجاحاً كبيراً؛ حيث تمحورت بشكل كبير في بداياتها حول التوقيع مع اللاعبين المنتهية عقودهم كأمثال أندريا بيرلو، بول بوجبا، وفرناندو يورينتي؛ حيث لم تسمح موارد النادي المالية حينها في دفع المبالغ الخيالية لانتقال اللاعبين من أنديتهم. ولكن بعد سيطرة اليوفي محلياً ونمو الإيرادات نسبياً، شهدت سوق الانتقالات في المواسم الأخيرة حضوراً قوياً ليوفنتوس بالتعاقد مع الأرجنتيني جونزالو هيغوايين، البرتغالي كريستيانو رونالدو، والهولندي ماتياس دي ليخت بمبلغ إجمالي يقارب 300 مليون يورو قاصداً رفع مستوى منافسة النادي أوروبياً ومحاولاً تحقيق البطولة الأوروبية المستعصية.
لكن الحال يختلف قليلاً فيما يخص صفقة انتقال كريستيانو رونالدو.
صفقة رونالدو
على مدى السنوات الماضية، وبالرغم من ارتفاع الإيرادات، إلا أنّ يوفنتوس شهد ارتفاعاً ملحوظاً في الخسائر التشغيلية. ولولا اعتماد النادي الكبير على سياسة بيع عقود اللاعبين لتخفيف حدة الخسائر، لتم تسجيل خسائر صافية بقيمة تقارب 122 مليون يورو في موسم 2018/2017. عندها، آمنت إدارة اليوفي بضرورة بذل جهود أكبر في رفع الإيرادات التجارية لمواكبة الأندية الأوروبية الكبرى كريال مدريد وبرشلونة ومانشستر يونايتد. ونظراً لكون البيئة الاستثمارية للدوري أقل جودة من منافسيه، اضطر اليوفي أن يحمل على عاتقه جذب هذه الإيرادات بنفسه.
ففي صيف 2018، استغل يوفنتوس تأثر علاقة رونالدو مع ناديه ريال مدريد ورغبته في خوض تجربة مختلفة بعد 9 مواسم قضاها في صفوف النادي الملكي. وبالرغم من تشكيك بعض المتابعين في قيمة اللاعب فنياً داخل الملعب وقت التوقيع معه نظراً لتقدمه بالعمر واختلاف طبيعة الدوري الإيطالي عن الاسباني، إلا أنّ الجميع يتفق على قيمة اللاعب تجارياً واسهاماته في زيادة إيرادات ريال مدريد خلال السنوات التسع، وهذا بالتحديد ما كانت تبحث عنه إدارة يوفنتوس.
واجه النادي وقتها معضلة تمويل قيمة الصفقة (دفعت خلال 18 شهراً فقط) ومصاريفها المستقبلية والتي لم يكن باستطاعته توفيرها من موارد النادي الداخلية، فاضطر إلى اللجوء للقروض (ومنها إصدار سندات مالية لمدة 5 سنوات بقيمة 175 مليون يورو) والتي زادت العبء المالي ليصل إلى 473 مليون يورو بنهاية الموسم الأول لرونالدو في 2019/2018.
التحولات المالية
الموسم الأول (2019/2018)
بلغت قيمة صفقات شراء اللاعبين في موسم 2019/2018 ما يقارب 293 مليون يورو، فيما بلغت متحصلات بيع عقود اللاعبين 181 مليون يورو مسجلة أرباح رأسمالية بمبلغ 154 مليون يورو.
في مقارنة بسيطة بين النتائج المالية للنادي بين موسم 2018/2017 (الموسم الذي سبق التوقيع مع رونالدو) وموسم 2019/2018 (موسم التوقيع مع رونالدو)، حقق النادي ارتفاعاً في الإيرادات في موسم 2019/2018 بلغ 62 مليون يورو – دون احتساب الأرباح الرأسمالية المحققة من بيع عقود اللاعبين – ليصل إلى 464 مليون يورو. هذا الارتفاع تحقق بفضل الارتفاع في الإيرادات التجارية – والتي تشمل عقود الرعاية والمبيعات التجارية – الذي فاق 38 مليون يورو، كما عمد النادي إلى زيادة أسعار تذاكر المباريات والتي ساهمت بارتفاع مداخيل المباريات بمبلغ يفوق 14 مليون يورو.
ولكن من الناحية الأخرى، تكبد النادي زيادة في مصاريف الرواتب تتجاوز 68 مليون يورو (راتب رونالدو الثابت يقارب 30 مليون يورو) لتصل إلى أكثر من 301 مليون يورو ممثلة ما يقارب 65٪ من إيرادات النادي. بالإضافة إلى ذلك، ارتفع مصروف إطفاء (توزيع) قيمة انتقال اللاعبين على مدد عقودهم بمبلغ يفوق 41 مليون يورو (إطفاء قيمة انتقال رونالدو يقارب 29 مليون يورو) لتصل إلى ما يقارب 150 مليون يورو ممثلة 32٪ من إيرادات النادي. خلال هذا الموسم، تكبد النادي خسائر صافية تناهز 40 مليون يورو مقارنة بخسائر بقيمة 19 مليون يورو في العام السابق.
فلو اعتبرنا أن الزيادة في الإيرادات هي ناتجة عن التوقيع مع رونالدو فقط (فرضية مبالغ فيها)، فمصاريف الإطفاء والراتب لرونالدو وحده دون اللاعبين الآخرين، ودون النظر إلى المصروفات الأخرى المتعلقة باللاعب من مكافآت ومميزات، تقارب الارتفاع الإجمالي في الإيرادات الذي حققه النادي بأكمله في ذلك الموسم؛ كما أنها مثلت ما يقارب 13٪ من إيرادات النادي بأكمله!