يوفنتوس .. يعود لنقطة البداية



بعد مسيرة امتدت 8 مواسم شهدت إنجازات ونقلات نوعية داخل الملعب وخارجه، عاد يوفنتوس في صيف 2019 إلى النقطة التي بدأ منها في 2011 دون وصوله لهدفه المنشود. وعلى مدى موسمين تقريباً، تحاول إدارة اليوفي بناء مشروع جديد و "مختلف" تجد فيه - حتى الآن – صعوبة في رسم ملامحه وخطواته.

إحقاقاً للحق، عملت ونجحت إدارة اندريا انيللي منذ استلامها لزمام الأمور في 2010 على رفع سقف طموحات وتطلعات الجماهير موسم تلو الآخر بعد التعثر الذي تبع قضية الكالتشيوبولي. فباستثناء الموسم الأول (2011/2010)، صاحبت هذه الفترة عودة الفريق إلى منصات التتويج وتحقيق البطولات المحلية المتتالية، والمنافسة – نسبياً – على مستوى القارة. كل هذا جاء نتيجة قيادة الإدارة لهذه المرحلة بخطوات مدروسة ومتصاعدة بدايةً من افتتاح الملعب الجديد، وإبرام تعاقدات نوعية (مدربين ولاعبين) ناسبت قدرات النادي المالية، وانتهاءً بتعزيز إيرادات النادي التجارية. 


صاحبت بداية هذه المرحلة تعيين انتونيو كونتي على رأس الإدارة الفنية للفريق والذي أحدث "ثورة" في طريقة لعب وانضباطية الفريق أسفرت عن ثلاث بطولات متتالية للدوري كان اليوفي بأمس الحاجة لها لتثبيت عودته كمنافس محلياً. وبالرغم من امتعاض بعض الجماهير على مغادرته، وسخط الجميع – وأنا منهم – على تعيين ماسيميليانو اليجري كخليفة له، إلا أنّ الإدارة أثبتت بُعد نظرها وصواب رؤيتها حيث استطاع اليجري في 5 مواسم نقل الفريق إلى المرحلة الثانية للمشروع محققاً خلالها بطولة الدوري 5 مرات متتالية، وبطولة كأس إيطاليا 4 مرات متتالية، وكان على بعد انتصار وحيد لتحقيق دوري الأبطال في مناسبتين. كانت رحلة لم يكن أكثر المتفائلين يحلم بحدوثها.


وبالرغم من إيماني التام – لاحقاً – بأنّ تعيين اليجري كان بمثابة الصفقة الأبرز والأفضل خلال تاريخ الإدارة الحالية، إلا أنّي آمنت كغيري – حينها - بضرورة التغيير للانتقال للمرحلة الثالثة وهي الفوز بدوري الأبطال، وهنا أتحدث عن الأخطاء الرئيسية التي وقعت فيها إدارة يوفنتوس نتيجة السعي خلف هذا الطموح. 

أولاً: إقالة اليجري

باعتقادي الشخصي، ومن منظور متأخر للأسف، كان قرار إقالة اليجري وتعيين ماوريتسيو ساري في صيف 2019 هو أهم القرارات التي عجلت بنهاية مشروع يوفنتوس قبل أوانه. فعلى مدى سنوات طويلة، كان اليوفي ينتهج الواقعية والتحفظ الدفاعي في أسلوب لعبه بغض النظر عن أسماء المدربين وخططهم داخل الملعب. ومن باب المحافظة على مكتسبات الفريق خلال سنوات كونتي واليجري، كان من المستحيل مواصلة السعي خلف الإنجاز المفقود في ظل تعيين مدرب يمتلك فكراً وأسلوب لعب مختلف تماماً عما تعود عليه اليوفي لسنوات. 


فخلال المراحل الأولى لقيادة كونتي، قام المدرب بتجربة أكثر من خطة لعب حتى استقر واستمر على خطة 3-5-2. وحين قاد اليجري زمام الأمور، استمر مبدئياً – بواقعية - على نفس نهج سابقه وأخذ بالتدرج حتى استقر على خطة 4-3-3 لاحقاً. أمّا ساري، فقام بفرض أسلوب لعب مختلف منذ البداية (بالرغم من حفاظه على خطة 4-3-3) في مرحلة حرجة لا تقبل التغيير الجذري خصوصاً مع عدم توفر العناصر المناسبة لأسلوب لعبه حينها.


تتحمل إدارة اليوفي وحدها – رغم عدم إيمان انيللي الكامل بالتغيير - عواقب قبولها بهذا التغيير فهي من آمنت بساري وفلسفته الكروية في هذا الوقت الحرج، وهو ما أعاد يوفنتوس سنوات للخلف وتكاد أن تطمس كل ما قام ببنائه اليجري ومن قبله كونتي. فتغيير أسلوب اللعب يتطلب مشروعاً وأهدافاً مختلفة يجب الانتظار لأجلها مواسم عديدة.


اعترفت الإدارة بخطئها بنهاية موسم 2020/2019، وبدلاً من تصحيح الخطأ، أقدمت على خطأ أكبر وهو المجازفة بتعيين اندريا بيرلو كمدرب للفريق. بيرلو – إضافة لكونه قليل الخبرة التدريبية - هو امتداد لنهج ساري في فرض أسلوب لعب لا يتناسب مع إمكانيات العناصر المتاحة ولكن مع تغيير آخر في خطة اللعب إلى 3-5-2. شهد موسم بيرلو حتى الآن تخبطات في التشكيلة وتوظيف خاطئ لمراكز اللاعبين والتي كان أوج حضورها في الجولة الـ 26 أمام لاتسيو. فبدلاً من احتواء النقص الوحيد الحاصل في خط الوسط في مباراة مهمة، قام بيرلو بتغيير مراكز 3 لاعبين لم يلعب أي منهم فيها من قبل! 

ثانياً: صفقة رونالدو

تحدثت مراراً عن تبعات صفقة كريستيانو رونالدو والأسباب "المغيّبة" حول الهدف منها. فالإدارة كان هدفها تعزيز الإيرادات التجارية رغم مواصلتها في تأكيد أن الهدف الأسمى من التعاقد هو الفوز بدوري الأبطال.


موهبة رونالدو ليست محل التشكيك والتعاقد معه له من الإيجابيات الكثير داخل وخارج الملعب، إلاّ أنه (كتعاقد وليس كلاعب) أضر بالفريق من جوانب مختلفة لا يزال يعاني منها الفريق حالياً، أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:

  • افتقدت الصفقة للنظرة بعيدة المدى عطفاً على مدة عقد اللاعب وكبر سنه. فــ "الاستدامة" في الإيرادات التجارية لا تتحقق إلاّ خلال سنوات يكون فيها التخطيط مقنع وجليّ للشركاء والرعاة.

  • لم يكن أسلوب لعب يوفنتوس هو الأسلوب الأمثل للاستفادة من قدرات رونالدو داخل الملعب خصوصاً في ظل غياب صانع الألعاب.

  • قيمة صفقة رونالدو الإجمالية من رسوم انتقال ورواتب (تتجاوز 350 مليون يورو عند انتهاء عقده) أثقلت كاهل النادي مالياً وحجمت من قدرة اليوفي في عقد صفقات أخرى لتعزيز مراكز الفريق. 

  • من الخطأ الاعتقاد بأن رونالدو بإمكانه تحقيق الإنجازات بمفرده دون النظر في الجوانب والاحتياجات الفنية الأخرى للفريق. فالفريق وصل لنهائي دوري الأبطال مرتين قبل التعاقد معه، ولم يتمكن من تجاوز دور الثمانية منذ قدومه. كما حقق الفريق كأس إيطاليا 4 مرات متتالية قبل التعاقد معه، ولم يحققه منذ قدومه. أما الدوري المحلي، فمستوى يوفنتوس في تراجع ويبدو أن تحقيقه هذا الموسم صعباً. 

ثالثاً: مغادرة ماروتا

في أكتوبر 2018، وبعد معارضته الخفية لصفقة رونالدو واستبعاده من التشكيل الجديد لمجلس الإدارة، اتخذ المدير الرياضي بيبي ماروتا قراره بمغادرة الفريق بعد أكثر من 8 سنوات شهدت العديد من التعاقدات المميزة التي واكبت وناسبت ظروف يوفنتوس حينها. فخلال فترة إدارته، اقترنت تعاقدات الفريق بظروف وموارد واحتياجات المرحلة التي يعيشها يوفنتوس بدايةً من الإعارات والصفقات المجانية في فترة كانت لا تسمح بجلب النجوم، مروراً بالصفقات الأقل كلفة والتي استفاد منها يوفنتوس مادياً في وقت لاحق، وانتهاءً بالصفقات الكبيرة كالأرجنتيني جونزالو هيجوايين. 


بعد مغادرته أسوار النادي، لا يزال خليفته فابيو باراتيشي عاجزاً عن سد الفجوة في سوق الانتقالات التي أحدثتها مغادرة ماروتا. والأمرّ من ذلك كله هو عدم قدرته على تسويق وبيع اللاعبين الذين أراد اليوفي التخلص منهم كهيجوايين وماتويدي وخضيرة. في المقابل، تنظر إدارة اليوفي لما يقوم به ماروتا منذ انضمامه للإنتر بشيء من الندم والحسرة.

الخاتمة

من المحزن أنّ ما أعطى هذه الأخطاء الرئيسية تأثيراً مضاعفاً هو وقوعها في نفس الموسم الرياضي 2019/2018. فصفقة رونالدو في أول الموسم، ومغادرة ماروتا في منتصفه، وإقالة اليجري في ختامه. ومنذ حدوث هذه الأخطاء وبقية الأندية المنافسة كميلان والإنتر في تطور واليوفي في تراجع ملحوظ من شأنه تقليص الفارق والمستويات بين اليوفي ومنافسيه محلياً.


ختاماً، تعود إدارة يوفنتوس حالياً للبحث عن هوية للفريق ومحاولة إعادته للمنافسة مرة أخرى تحت مظلة مشروع جديد، وهي نفس نقطة البداية في صيف 2011.

19/03/2021


Join