العمارة وإشكالية التلقي 

"إن الجمال ليس كيفية توجد في الأشياء ذاتها، بل إنما يوجد في الفكر الذي يتأمل هذه الأشياء"..

الفيلسوف هيوم

تظل إشكالية تنمية مجتمع معماري ذواق، يسهم في تطور عمارة العالم العربي من أهم الإشكاليات التي تواجهها العمارة لدينا، فالجمهور لدينا لا يكاد يشعر بالعمق الثقافي والفني للعمارة، لم يوجه التوجيه الأمثل الذي يجعله يحدث تغييرات ويكون صاحب كلمه في عمارة مدينته.

مالذي يجعل الجمهور في دول العالم الغربي يحس بقيمة عمارته وبالتالي يعارض أي جديد من الممكن أن يطغى أو يساهم في تشويه هذه العمارة، والشواهد عديدة على ذلك منها ردود الفعل العنيفه التي واجهت تصميم مركز بومبيدو للفنون في باريس، لغرابة التصميم عن السياق العمراني والثقافي الموجود فيه، هذا الحس والشعور العميق بقيمة العمارة كفن من أهم الفنون ومن أقربها للإنسان، هي مانفتقده في عالمنا العربي فالعمارة لدينا جماد لا يحمل أي قيمة.

هذا التوجه للجمهور والرغبة في صنع عمارة تخرج من متطلباته وبناء على خلفياته الثقافية والاجتماعية، هو ماغفل عنه أساطين العمارة الحديثة أمثال لوكوبوزييه وميس فان دروه، من حيث إن المعماري كان هو المسؤول الأول والأخير عن جمال المدينة وعمرانها، والوصي على سكان هذه المدينة ذوقياً، ولكن بعد فترة من الزمن وتحديداً بهدم إسكان برويت ايغو في سانت لويس في السبعينيات من القرن المنصرم، ثبت زيف الأفكار الأحادية التي كانت منطلقاً للعديد من رواد عمارة الحداثة، وظهرت حقبة جديدة من الفكر المعماري، تجعل الجمهور المتلقي هو العصب الرئيس لهذه العمارة.

لذا إذا اردنا صنع عمارة ذات قيمة، يجب أن نسهم في تطور ورقي ذائقه المتلقي لأنه الصانع الحقيقي لهذه العمارة.

في عالمنا العربي العمارة معزولة ثقافياً عن المجتمع، واقصد بثقافياً من حيث المحاضرات والندوات فهي غالباً ماتعقد في جمعيات هندسية وفي رحاب الجامعات وبالتالي بعيدة عن المتلقي العادي غير المختص.

إذا أردنا سد فجوة القائمة بين فن العمارة المغيب عن المجتمع والجمهور، يجب في البدء أن نعمل على نشر ثقافة معمارية أصيلة من خلال منابر ومناشط متعددة، قريبة من المتلقي، كالنادي الأدبي أو جميعات الفنون المختلفة والمكتبات العامة.

الامر الآخر هو غياب المعارض المعمارية الفنية والتي نشهدها في العالم الغربي، وهي تعنى بعمارة النخبة من المعماريين أمثال نورمان فوستر وزها حديد وسانتياغو كالاترافا والذي كان له معرضاً في نيويورك قبل سنه تقريباً، هذه الاحتفاليات بالعمارة ونجومها مغيبه لدينا لم أسمع بمعرض لمعماري محلي يفتح ابوابه للجمهور للتذوق والنقد والتواصل.

من الممكن طرح مسابقة للملاك المتميزين، والذين يساهمون في تطور العمارة من خلال مرونتهم وتعاملهم الراقي مع المعماري، وعدم تفكيرهم بالعائد المادي فقط من بل ينظرون الى أبعد من ذلك.

كل هذه الافكار عن العمارة ومتلقيها دارت في مخيلتي اثناء حضوري لمسابقة مبنى امانة منطقة الرياض الحديث، كنت اتمنى أن يسهم المجتمع وسكان المدينة في اختيار الحل المعماري الاقرب لهم، والاقدر على إبراز شخصيتهم من خلال مبنى الامانة، يبدو أن الوقت مبكراً على مثل هذه المشاركة، ولكن مشوار الالف ميل يبدأ بخطوة.

لذا إذا اردنا صنع عمارة ذات قيمة، يجب أن نسهم في تطور ورقي ذائقه المتلقي لأنه الصانع الحقيقي لهذه العمارة.

جريدة الرياض - 2007

Join