أيام طيّبة
كم امتدح الآخرون لنا الثبات، وكم زيّنوا في أعيننا الحفاظ على ما نملك من مشاعر، مواقف، مَحابّ، وأصدقاء. وحين عبَرتْنا الحياة، كان لسنّة الاستخلاف فيها أوفر النصيب. استخلاف ما نهوى، ما يعنينا، ما نهتم به، ما نؤمن بقيمته، ما نُتقنه، ما يسعدنا، ما يستحق سعيَنا، وما يؤلمنا. حتى نحن في تغيّر دائم، فكيف بأصدقاء القلب وأقرباء الروح؟
"وَمَن ذا الَّذي يا عَزَّ لا يَتَغَيَّرُ؟"
تصطفي الحياة أحبابنا مرةً تلو أخرى. أحدهم يغيب عن حُزننا، وآخر يَقصُر عن الإحساس بمصابنا، وغيره ممن لا يُسعفه شعوره في فرحنا. وكنا قد ظننا في بادئ العمر أن الإخلاص صفة ثمينة، والوفاء خصلة شحيحة، وما من سبيل إليهما سوى الإصرار على الاحتفاظ بأماكن الآخرين الأثيرة منّا. غير أن حوادث الأيام تتلو سنة الله في خَلقه؛ فلا وُدّ يُضمن، ولا عُذر يستطاعُ دومًا، ولا معروف يُؤدّى بنفس السعة أبدًا.
لابدّ أن نتغيّر، وأن نشعر بالرضا. أن نسمح لمرور الأيام أن يبدّلنا، وأن نُفسح الطريق لأي عِوضٍ آت. ومتى ما تخلّينا عن فكرة الثبات الدائم، فإن الخير سيُجزل، والأمل سيُجدد، والرفقة ستُرتضى. وسنتجاوز بذلك ما آلمنا منهم، ونغفر ما بدا من نأيهم؛ فلكلٍّ منا قصته، وأيامه التي لم تكن لتمضي لولا رحمة الله.