حفلة الشاي الانجليزي في المقهى الفرنسي !
جواز ومقال 11
ما الذي يخطر على بالك حين يأتي ذكر بريطانيا وفرنسا ؟!. بفضل الخطاب العربي الإعلامي الموجه، فهو على الأرجح الحقبة الاستعمارية لأكبر الامبراطوريات التي احتلت أجزاء واسعة من العالم في ما يعرف بصراع الجبابرة للسيطرة على أكبر حصة من الرقعة الأرضية ومنها كانت الدول العربية.
على هذا فإن هاتان الدولتان الجارتان بقدر ما كان بينهما مناوشات حربية للهيمنة على العالم وحتى ثقافية وايديولوجية، كثيرا ما كان يحضر بينهما الود والتحالفات من أجل نصرة القضايا المشتركة. لغة المصالح لغة يستنكثها العرب لكنها لغة عقلانية. فعلى عكس ما تفعله دول الشرق الأوسط في استجلاب الصراعات التاريخية بينهم عند الحديث عن توطيد العلاقات المعاصرة. كان يمكن لبريطانيا وفرنسا اللدودتان أن يضلا حبيسا ذكريات غزوات نابليون المدمرة، أو حروب الهيمنة التي جرت بينهما على أراضي القارة الأمريكية الشمالية، لكن الأمر والحسابات لم تجري كما كان متصور وفق أحقاد وثارات تاريخية بالية.
خرجت من باريس قاصدا لندن في رحلة برية طويلة استغرقت ٨ ساعات، باجراءات مسهلة مرورا عبر نفق المانش الذي يمتد تحت البحر الفاصل بين الدولتين على مسافة ٥٠ كيلومترا ليربط بريطانيا ببقية أجزاء أوروبا عبر فرنسا. هذا النفق التحفة الهندسية الذي افتتح عام ١٩٩٤، يجعلك تتوقف عند صراع أخر هو صراع العباقرة والعقول الذي قاد العالم إلى ثورة صناعية وثقافية انطلقت على أراضي تلك الدولتين. ففي باريس يمكن أن تتجول في الحي اللاتيني مقر جامعة السوربون ومقبرة العظماء التي دفن فيها قادات الفكر والتنوير والأدب، هنا مكتبات ومقاهي كانت تحتضن اللقاءات الفكرية والفلسفية التي نشطت في القرن الثامن عشر وأعادت بعث العقل مجددا ليقود الحركة البشرية الى أعظم منعطفاتها تقدما.
على الجانب الأخر كانت بريطانيا تشهد ثورة عرفت بالثورة الصناعية، وعندما تزور متحف العلوم والصناعة في مدينة مانشستر أو متحف العلوم في لندن، ستتوقف كثيرا عند تطور الالة البخارية التي ساهمت في احلال العمل اليدوي بالمكينة، وفتحت آفاقا ضخمة في مجال التصنيع وتطور وسائل النقل. ثم الثورة التكنولوجية مع بروز عصر الحاسوبات المعقدة حيث يحتضن متحف مانشستر نسخا عن أولى الكمبيوترات ووسائل الاتصالات والسينما القديمة.
نهضة فكرية هنا ونهضة صناعية هناك، نهر السين هنا ونهر التايمز هناك، ساعة بيج بين هناك وبرج ايفل هنا. المتحف البريطاني هناك ومتحف اللوفر هنا. أن تزور لندن وباريس دفعة واحدة يجعلك متقلبا ما بين مذاق الشاي الانجليزي ونكهة القهوة الفرنسية، انك اشبه ما تكون في حفلة شاي وفق التقليد الانجليزي العتيق على احدى زوايا مقهى فرنسي عريق!! يا للمتعة!!.
31/12/2019
كان يمكن لبريطانيا وفرنسا اللدودتان أن يضلا حبيسا ذكريات غزوات نابليون المدمرة