السفر سنة الحياة
الشعب الأمريكي
المرتاع
إنه اليوم الثلاثون منذ وصولي إلى امريكا في جولة سياحية، لكنه اليوم الأول لي في مدينة شيكاغو والذي صادف الرابع من يوليو يوم الاستقلال الأمريكي، وهي الذكرى الأهم التي أعلنت فيه ١٣ ولاية الانفصال عن امبراطورية بريطانيا العظمى عام ١٧٧٦ وتأسيس كيان مستقل. بالطبع فان ولاية إلينوي التي تتبع لها مدينة شيكاغو لم تكن ضمن الولايات المؤسسة، فهي قد انضمت رسميا إلى الاتحاد في عام 1818 إلا ان المناسبة تعد عامة على الصعيد الفدرالي.
كنت قبل ذلك في ميامي وقد اشتريت تي شيرت يحمل علم امريكا، قررت من الصباح أن ارتديه واخرج في جولة حول ما يعرف منطقة ذا لوب وهي قلب شيكاغو المتطاولة بالعمران. صحيح أن الناس في عطلة رسمية إلا أن أجواء المدينة لم يوحي لي أي مظهر من مظاهر الفرح، بل لم أجد أحدا يرتدي أو يحمل أي شيء له علاقة بعلم امريكا. هذا عكس ما كنت أراه في احتفالات استراليا الوطنية الصاخبة أو الاحتفالات السعودية مثلا التي أخذت في السنوات الأخيرة زخما عاليا.
بعد التقصي القوقلي عرفت أن هناك ألعابا نارية ليلية ستكون على الرصيف البحري المطل على بحيرة ميتشغن. ولتفادي الزحام المتوقع ذهبت عصرا إلى موقع الحدث وبالفعل كانت هناك أعدادا هائلة بدأت تتدفق على المكان. وبعض الاجراءات الروتينية المعتادة للتفتيش لا تستغرق الكثير من الوقت. منطقة الرصيف ليست إلا مكانا ترفيهيا مع عدة مطاعم وساحة عامة أخذت العوائل والشبان بالتموضع فيها. بينما كنت مشغولا باكتشاف المكان والتقاط الصور، لاحظت أن رجال الشرطة يمشطون المنطقة بالكلاب البوليسية. وقد تعاملت مع الموقف كأي اجراء روتيني متبع دون أن أدع الهواجس تستولي على مخيلتي.
مرت ساعة ثم ثلاث ساعات وبدأ الملل يتسلل إلي، فليس هناك أية فعالية احتفالية ولا غنائية سوى انتظار الألعاب النارية التي ستبدأ في التاسعة والنصف. ولأنك في امريكا العظمى رائدة الترفيه ستضع في الحسبان أن الألعاب النارية ستكون في غاية الاتقان والابهار. حسنا هذا الشيء الذي لم يحدث أبدا لقد كانت الألعاب رتيبة كئيبة خاصة وقد سبق لي رؤية ماهو أكثر ابهارا حتى ان طفلا من عائلة هندية بجواري صرخ في وجه أمه: ما هذه الألعاب النارية المملة !!.
انتهت حفلة الملل وقررت أن أخرج مسرعا قبل أن تتكدس الحشود وفور أن تحركت بضع مترات حتى بدأ الجميع بالصراخ والتراجع.. حالة من الهلع والخوف سادت الناس والمكان الأمر الذي جعلني اترقب اللحظة التي ستنفجر فيه القنبلة لأرمي بنفسي مباشرة إلى البحيرة !!. الأطفال تبكي .. النساء تجري .. الرجال تشنجت وجوههم، وأنا واخرين دخلنا إلى مواقف السيارات السفلية وبدأنا بالتحرك نحو الجهة الاخرى.
الارتباك الشديد بدى واضحا على رجال الشرطة، نفسهم لم يكونوا يعرفون مالذي يجري، بدأت امشي نحو المخرج وانا اتأمل وجوه الناس المرعوبة، لقد تمزقت العوائل وتاه الكثير من الاطفال وانتشرت حالة من الهيستريا، وانا استرجع كل الافلام الامريكية وأحداث ١١ سبتمبر وما اسمعه عن حالات طلق النار المتبادل من قبل العصابات في امريكا. بدأت الدوريات والاسعاف والباصات تتدفق على المكان لانتشال الناس. ربما هناك الكثير من الاصابات او الناس الغشيانه التي سيتطلب نقلها، لم يكن أي شيء واضح بالنسبة لي سوى البكاء وتدافع الجموع للهرب.
لقد مشيت مسافة طويلة بحيث اطمأننت قليلا أني اصبحت خارج نطاق اطلاق النار إن كان هناك نار أصلا، أو خارج العملية الانتحارية إن كان هناك منتحرين أصلا. احتجت ما يقارب ٤٥ دقيقة مشيا للوصول إلى الفندق والتقاط أنفاسي. ومباشرة بدأت بفحص مواقع الأخبار وتويتر لمعرفة مالذي حصل؟!. ووجدت خبرا عاجلا لرئيس شرطة شيكاغو يشرح أن الموضوع ليس إلا حالة شجار معتاد بين مجموعة عصابات مراهقة استخدمت فيه الاسلحة البيضاء وتسبب في طعن عدد قليل، وبكاء وغشيان الآلاف من الحاضرين!!.
انتهت حفلة الرعب وانتهت لحظة شهدت فيه على الهواء مباشرة فلم من أفلام الاثارة الامريكية وان كان بنكهة الملل.
01/07/2020