غازي القصيبي .. أَحَبَ ديزني ورفضها في الرياض !!



في مسيرة الوزير غازي القصيبي كتابات في مجالات مختلفة كالرواية والشعر والادارة والمقالات السياسية والثقافية، إلا أنه أيضا كتب ما يمكن اعتباره جزءاً من أدب الرحلات ونشر كتابه الخفيف تحت عنوان : العودة سائحا إلى كاليفورنيا.

أدب الرحلات الذي قد لا يُنظر إليه كجزء من الأدب الرفيع أو له صدى شعبي واسع مثل الرواية، إلا أنه غالبا ما ترتفع قيمته كلما تقادم مع السنوات. فالذين ألّفوا كتبهم في هذا المجال قبل قرون صارت مرجعا للحاضر، إذ نقلوا لنا تفاصيل مهمة عن حياة الشعوب وأماكن عيشهم والمخاطر التي واجهتهم في ترحالهم، في وقت كان التدوين هو وسيلة النقل والحفظ الأساسية. صحيح أننا اليوم قد نعرف ما يحدث في مكان ما من العالم دون أن نسافر إليه، لكن لازال لأدب الرحلات رونقه الخاص الخفيف واللطيف الذي يبدع فيه الكاتب نقل التفاصيل الصغيرة والمواقف الطريفة التي تغيب عن ايصالها وسائل التواصل الحديثة. ويمزج ذلك بالانطباعات وشيئا من التحليل والمعلومات ليخرج بخليط من حكاية لها أبعاد تكوينية مختلفة.

عاد الوزير القصيبي إلى كاليفورنيا بعد قرابة ٢٠ عاما من توديعها حين كان فيها طالبا يدرس الماجستير، لكنه هذه المرة عاد برفقة عائلته في جولة سياحية، عاد ومعه حنين الماضي الممتد. وكعادة أريحية القصيبي، نقل تجربته الخاصة دون أي قيود قد تفرضه عليه بريستيج عمله في السلك الدبلوماسي كسفير في تلك الفترة.

افتتح الدكتور كتابه بالموضوع المحبب إليه في نقد الظواهر البيروقراطية الادارية حيث اجراءات المطارات الروتينية، التي لطالما كانت تحضر في دولنا العربية. لكن القصيبي سيفاجأك بقوله: (البيروقراطية والتعليمات هي التعليمات حتى في بلاد العم سام!!). وهو ما لاحظته في زيارتي الأولى لها، فالبيروقراطية لاتزال تنخر في جسد المطارات حتى في امريكا العظمى نفسها رغم كل ماحدث عالميا من تقدم كبير على الصعيد التقني. وهذا يرجع كما يراه القصيبي إلى هاجس الهجرة الغير شرعية لدى الامريكان، أضف إلى ما استجد من أحداث أمنية توالت فيما بعد.

إن كانت أوروبا قارة المتاحف فإن امريكا هي رائدة الترفيه، وكل من سيقصد كالفورنيا سيمر عبر عالم ديزني أو ينيفرسال ستيديو وغيرها من مدن الألعاب. وقد وصف الوزير القصيبي شخصية والت ديزني: (قلائل أولئك الذين يستطعون منح السعادة للأخرين وأقل منهم أولئك الذين ينثرونها نثراً على الجموع، ووالت ديزني واحد من تلك القلة النادرة التي أثرت بموهبتها الحضارة الانسانية كلها... إن له ركنا خاصا في قلبي). وبالرغم من أنه مغرم بديزني لاند ‏وبتنظيمها الداخلي، إلا أنه رفض من منظور ثقافي فكرة نقلها للرياض أو دبي: (إنها ليست حديداً أو اسمنتاً وحجارة، إنها قطعة من الفولكلور الأمريكي). وفضل أن تكون ديزني العرب مستلهمة من تراثهم المحلي.

إعجاب الدكتور غازي بديزني لاند تجاوز به للحديث عن روعة طوابيرها المنتظمة ووصفها بأنها : فن رفيع. ثم سرح به الحال كم سيكون الأمر شاقا لو كانت ديزني بطوابيرها المزدحمة هذه في إحدى دول العالم الثالث، فلن يبقى في الطابور إلا : (منتفو الريش وضعاف الأبدان والعجزة وقصار اللسان). كما أُعجب بطلبة الجامعة أو المدارس الذين يستثمرون اجازاتهم للعمل في نظافة هذه المدينة الترفيهية دون تأفف أو تقزز، وقارن ذلك بنظرة الطلبة العرب نحو الاشتغال في النظافة.

حاول صديق القصيبي ثنيه عن زيارة ديزني لاند واقترح عليه أن يرسل العائلة لوحدها، ربما اعتقاداً منه أن هذا لن يكون مناسبا لشخصية أدبية وسياسية بمقام السفير، إلا أن ديزني المملكة السحرية التي يشاء الدكتور تسميتها دائما، ظلت تسكن روحه ورغبته إليها فكان رده: (كيف استطيع أن أشرح لمن لم يمسه سحر قط معنى الدخول في مملكة سحرية).

كثيرة هي الأمسيات الساحرة، لكني لا أنس الليلة التي سحرتني فيها ديزني كما سحرت الوزير، أنظر مع الألاف إلى الأعلى في مشهد مهيب لا نعلم فيه إن كانت المؤثرات الليزرية والألعاب النارية ترتفع من خلف قلعة أميرة ديزني أم تتساقط إليها كالشهب اللامعة في ليلة حالكة.. كأنه الحلم.


2020/07/15

والت ديزني واحد من تلك القلة النادرة التي أثرت بموهبتها الحضارة الانسانية كلها

غازي القصيبي
Join