بكيني المالديف
كما رأه ابن بطوطة!!
بينما كانت القنبلة النووية في منتصف القرن العشرين تهوي على جزر المرجان البكيني في الماريشال ضمن التجارب الأمريكية العبثية، كان المصمم الفرنسي لويس ريارد يستعد لاطلاق أخر صرعات الموضة: بزة سباحة نسائية مكونة من قطعتين فقط أطلق عليها اسم (بكيني) تيمناً بتلك الجزر واعتقاداً منه بما سيخلفه من آثار مدوية !!. فهذا التصميم الفاضح كان زلزالاً نووياً في مقاييس عالم الموضة، وأثار القنبلة النووية تلاشى بعضاً منها لكن بقي البكيني جرحاً غائراً في القلوب الضعيفة إلى يومنا هذا !!.
منظر الفتاة الأجنبية وهي تتبختر في مشيتها بالمايوه على احدى منتجعات جزر المالديف الفارهة، لطالما كان وسيلة التسويق والجذب التي ترسخت في أذهاننا عن واحدة من أهم وجهات السياحة الشاطئية العالمية. فالمالديف حلم يداعب كل مخلوق على وجه الأرض مع مناظر المياه التركوازية المتلألأة تحت أشعة الشمس الآسرة.
فعبر قارب صغير يصارع تلاطم الأمواج بعنف، حققت حلم الوصول إلى جزيرة موفوشي واحدة من آلاف جزر المالديف المتناثرة في المحيط الهندي والقليلة التي يمكن أن ترى فيها المالديفيون. استقبلتني على المرفأ مندوبة الفندق؛ فتاة مالديفية ترتدي لباساً محتشماً لا يبرز منه أي شيء من تقاسيم الجسد أو أي خصلة من خصال الشعر سوى الوجه المائل لسمرة شبه القارة الهندية. وخلال بضعة أيام من الاقامة والتنقل بين الجزر تكشفت لي أكثر هوية المالديفيات الملتزمات بالحجاب الاسلامي !!.
زرت عدداً من الدول الاسلامية، بعضها توصف بالمتشددة، ومع هذا لم أرى في شعوبها هذا الإلتزام الصريح بالحجاب الديني كما رأيته في المالديف، وهي الدولة المنفتحة سياحياً على ثقافات العالم والتي تحتضن شتى أنواع الجنسيات بمختلف ألوان المايوهات !!. ولازلت محتاراً كيف استطاع المالديفيون الحفاظ على هويتهم الاسلامية بهذا المستوى العالي دون أي تنازل عن ثوابتهم الثقافية؟!. وأن يصبح البكيني في ضيافة الحجاب دون أي تصادم حضاري !!.
ربما نظن أن اللباس الفاضح هو نتاج المادية الغربية المنفتحة المتجردة من القيم والمبادئ، لكن الحقيقة أن اللباس على مدار التاريخ لم يكن الاحتشام فيه هو الأساس، بل جاء الستر متأخراً ونتيجة للمدنية وللتطور الحضاري، وأن أغلب نساء الشعوب كان يبرز منهن الكثير من أجزاء جسدهن بما في ذلك الصدر !!. وهذا السلوك ملحوظ ولازال قائماً في المجتمعات القبلية البدائية التي لم تحتك بالانسان الحديث. ومن المفارقات أن حركات التعري الغربية تستشهد اليوم في مواقفها الدفاعية بتلك المجتمعات، وبهذا يمارس الرجل الأبيض انتقائية غريبة بين أن يرى من نفسه سيد الحضارة والمتفوق دوماً وبين رغبته في مسايرة العصور البدائية عبر التعري !!.
نفسهم المالديفيون قبل وفي بداية عهدهم بالإسلام لم يعرف عنهم الاحتشام باللباس، سوى جزء بسيط يستر أسفلهن، وهذا ما وجده ابن بطوطه حين وصل إليهم في القرن الرابع عشر ضمن جولته الطويلة حين قال في كتابه: (ونساؤها لا يغطين رؤوسهن، ولا سلطانتهم تغطي رأسها. ويمشطن شعورهن، ويجمعنها إلى جهة واحدة. ولا يلبسن أكثرهن إلا فوطة واحدة تسترها من السرة إلى أسفل، وسائر أجسادهن مكشوفة. وكذلك يمشين في الأسواق وغيرها *). وقد عمل ابن بطوطة قاضياً بينهم لكنه عانى من صعوبة التعامل مع النساء بهذا اللباس المكشوف، فكان يجبرهن على التغطية قبل الدخول عليه.
فهل يمكن أن تثبت المرأة المالديفية بحجابها طويلاً أمام غواية البكيني في العقود القادمة؟، أم ستعود بها دائرة الزمن الى العصور السابقة !!، في تلك الحقبة التي كانت جزر المالديف تضحي شهرياً بامرأة قرباناً لعفاريت الجن البحرية كما نقل ذلك ابن بطوطة أيضاً !!.
-----
• كتاب تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار ، صفحة ٥٨٨
2020/08/13