سريلانكا المقدسة
بين آدم وبوذا والإله شيفا
يراها المسلمون موضع قدم نزول النبي أدم من الجنة، ويراها البوذيون موضع قدم المستنير بوذا، ويراها الهندوس موضع قدم الإله شيفا !. لا يحدث في مكان من العالم هذا التنازع على قدسية بقعة ما وزيارتها من أديان متعددة، إلا في جبل الرحون أو ما يعرف بجبل بصمة القدم المقدسة في سريلانكا، الجزيرة التي تظهر كدمعة صغيرة سقطت من الجسد الهندي الكبير وطفت على سطح المحيط.
سريلانكا تملؤها التفاصيل والحكايات والأساطير الكثيرة، مع مزيج باهر من فوضى الطبيعة الخلابة. السريلانكيون يعتقدون أنهم أصل البشر، ومن أرضهم انطلقت الحياة والحضارات، وأنها جنة عدن الموعودة. السنهاليون وهم العرقية التي تتشكل منها غالبية شعب سريلانكا يرون أنهم ينحدرون من سلالة أسد يدعى سنها، كان قد تزوج ملكة فأنجبت منه ملوكاً، هاجر الحفيد من الهند ليصبح أول ملك عليها، وهذا هو السبب في وجود شعار الأسد على العلم الرسمي للبلاد، في مكان لا توجد به أسوداً !!. وعندما تصل إلى مدينة كاندي العاصمة الدينية والتاريخية، ستجد بجوار القصر الملكي معبد السن المقدس الذي يحتفظ بسن من أسنان بوذا، فبالاضافة لكونه مزاراً دينياً للغالبية البوذية، كان امتلاك هذا السن قد لعب دوراً سياسياً مهماً في تحديد من يحق له أن يحكم البلاد في عصر الممالك السنهالية القديمة.
أما في تراث المسلمين كما نقل الطبري والقرطبي وغيرهما وكذلك المسيحيين أيضا، فإن أدم هبط سرانديب أو سيلان كما كان يسميها العرب، ونزل على الجبل المعروف حالياً باسم الرحون على ارتفاع أكثر من ألفين متر. وكان على أدم بقايا ما خصفه على جسده من ورق الجنة وعندما يبس تساقط على تلك الأرض، وهو ما يفسر خصوبة الجزيرة واشتهارها بالطيب والبهارات والفواكه المتنوعة. وأكل من بقايا تلك الأوراق الظبي فكان المسك الذي يستخرج منه. وقد تساقط شعر رأس آدم بعد احتكاكه بالسحب والغيوم فأصبح أصلعاً ومن ذلك ورثت ذريته الصلع. وأنزل جبرائيل إليه الحنطة فزرعها وطحنها ثم علمه اشعال النار فخبزها !!. واشتكى أدم طول قامته التي كانت ٧٠ ذراعاً فصارت ٣٥ ذراعاً، ثم اشتكى الوحدة فجمعه مع حواء في وادي عرفات.
وكان ابن بطوطة ممن زار قدم بصمة أدم وماحولها من قرى، فبعد أن وصل إلى سيلان طلب من سلطانها زيارتها ووصف جبل سرانديب (الرحون) بأنه من أعلى جبال الدنيا وعندما بلغ المكان الوعر في صعوده، وجد أثر القدم في صخرة سوداء وقد غاصت فيها وطولها أحد عشر شبراً. وذكر أن الصينيين قديماً قد قطعوا الصخرة موضع الابهام وأخذوها. وكان (الكفار) بتعبيره أي البوذيون والهندوس يضعون فيها الذهب والمجوهرات ثم يأخذها الفقراء.
وإن كان للمسلمين قصصهم، فإن للهندوس أيضا معتقداتهم في سريلانكا. وهم ينتمون إلى مجموعة عرقية قديمة تعرف بالتاميل. وقد خاضوا حرباً أهلية انفصالية ضد الحكومة السريلانكية ذات الغالبية السنهالية، انتهت في عام ٢٠٠٩ بمقتل الآلاف من الجانبين. يؤمن التامليين بالطريقة الشيفيية التي تعظم الإله شيفا كأحد الآله ذات القوى الخارقة في الخلق والتدمير والطيبة والغضب. وهو ضمن الثالوث الهندوسي المقدس مع برهاما وفيشنو. ومع كونه إله يمارس اليوغا والرقص ويحب تدخين الحشيش فهو أيضا زوج وأب. ومما يذكر في قصصه أنه خرج للتأمل وعندما عاد بعد فترة وجد ابنه قد كبر فلم يعرفه وظن أنه لص، فاستدعى الشياطين لقطع رأسه و لما عرف شيفا خطأه، قام بإعادة ابنه للحياة، ولكن لم يستطيعوا العثور على رأسه، فأحضروا أقرب رأس وكان رأس فيل، وهذا هو الاله غانيشا المعروف والمشهور الذي يقدسه الهندوس أيضا.
لا يمكن أن تصل سريلانكا دون أن ترى أثر الدين، أينما تولي وجهك ستجد معبداً أو تمثالاً كبر حجمه أو صغر. أصوات الصلوات والتراتيل تصل إلى مسامعك وأنت تتمشى خارج شوارعها. رائحة البخور والعنبر التي يشعلها البوذيين تفوح في كل اتجاه. لكن أكثر ما يثير انتباه بصرك هم الشباب الغربي الغر الذين يأتون بكثرة إلى معابد بوذا ويمارسون طقوسها، بحثاً عن دين جديد وصفاء وطمأنينة ربما افتقدوها في بلدانهم المتحضرة!!.
٢٠٢٠/٠٨/٢٦
سريلانكا تملؤها التفاصيل والحكايات والأساطير الكثيرة، مع مزيج باهر من فوضى الطبيعة الخلابة