جواز ومقال 3
رأس السنة ورأس الأرجيلة !!
صادف أن أكون في بيروت ليلة رأس السنة الجديدة من هذا العام ٢٠١٩. مصادفة جميلة كهذه لا يمكن تفويتها، ففي بيروت الأنيقة تتزين المدينة بمظاهر أعياد الميلاد، فيما تتنافس الفنادق لاقامة الحفلات، حفلات يراها اللبنانين فرصة جديدة للتنفيس، وتراها ماغي فرح والتلفزيونات اللبنانية وقتا مناسباً للتنجيم !!.
الاعلانات الضخمة وصور أشهر المغنيين والراقصات تنتشر على جنبات الطريق، لتنافس وتزاحم زعماء الاحزاب والتيارات في ذروة الانتخابات. أخبرني موظف الفندق أنهم سيقيمون حفلة ان كنت أود الحضور، لكن فضلت في النهاية حضور الاحتفال العام الذي تقيمه بلدية بيروت في ساحة النجمة. هناك سأتمكن من رؤية شعب لبنان بكل مكوناته -حسب ما كنت اظن- وفي مكان واحد.
الكثير من الفرح والصخب والموسيقى يملأ المكان، ومقدم الحفل يصرخ هاي هي لبنان اللي بدنا !! العوائل والشباب وربما عدد كبير من السواح حضرت المهرجان، مع الجيش الذي طوق مداخل المكان. أصبحت انا وفؤاد السنيورة رئيس وزراء لبنان الأسبق وجها لوجه ينظر كلا منا في عيني الأخر بعد ان دخل الساحة بين الجموع يتقدمه بودي قارد بطول مترين وعرض ثلاثة أمتار ! ثم دخل أخيراً رئيس الوزراء سعد الحريري ممتطياً المسرح يجول فيه ويلوح بيديه وكأنه في محفل انتخابي كبير. عرفت هنا ان الحفل لا يخلو من الرسائل السياسية والحزبية الموجهة، رسالة تقول للمعارضين له نحن حزب الحياة والموسيقى والثقافة والتنمية!!.
بعد مضي ٣ ساعات من الدي جي والفقرات الغنائية المتنوعة، بدأت أشعر بالضيق، اتنقل من جهة الى أخرى، أبحث عن موقع مناسب بين الحشود كي استطيع ان أتنفس فيه هواءاً نقياً بعد أن امتلأ صدري واحتقن حلقي من رائحة الزقائر التي تنبثق من أفواه الحضور !!.
في لبنان الكل يدخن، حسناً ليس الكل الكل، لكن منظر التدخين مألوفاً جداً وسعره زهيد جداً في بلد غالي جداً، والأكثر شيوعا من التدخين بالطبع هي الأرجيلة، سيدة المجالس!. فمن الصعب جداً أن تجلس في مطعم او مقهى مفتوح الساحة أو مقفل ولا تكون فيه الأرجيلة الحاضر الرئيسي!!. يمكنك أن ترى عائلة كاملة من الأم الى البنت ومن الجد الى الحفيد وهم يجلسون في صمت بالكاد ان تسمع لهم صوتا سوى صوت (بقبقة) الأرجيلة وكأنهم في صومعة يمارسون فيه طقساً عبادياً. هذا الأمر جعلني طريح الفراش بعد ثلاث ليالي من وصولي لبنان، اذ كشفت دخائن الزقائر والأرجيلة ضعف بنيتي التحتية او بالاصح الجسدية، صرت أسعل سعالا تتخرخش من شدته اضلاع صدري، واكتسحت الحرارة والوهن جسمي طوال الثلاثة اسابيع اللاحقة!!.
هنا خطر على بالي فكرة جادة، ماذا لو كان هناك بالفعل في لبنان حزباً للأرجيلة، بدلا عن أحزاب المذاهب والطوائف وبقية التيارات الفكرية ؟. فما دام لها كل هذا الحضور الشعبي القوي، أليس جميلاً أن يكون للبلد رئيس وزراء شاطر في تضبيط رأس الأرجيلة.. حتما سيحبه الجميع !.
٢٠١٩/٠٢/٠٥