الغوغائية السياسية في القصيدة الحسينيّة: شيخ حسين الأكرف أنموذجًا
ما قبل 2011 (2/4)
في الجزء الأول استعرضنا سيرة الشيخ حسين الأكرف وانتمائه ومحطة واحدة في سيرته كرادود وهي لطمية "سكني روع النفوس" في بداية انتفاضة التسعينات، وكما ذكرنا فإنه اعتقل لاحقًا ومنع من المشاركات في العزاء حتى بعد إطلاق سراحه.
في هذا الجزء ننظر في مسيرته العزائية بعد عودته للمواكب، وقد قسمتها على صعيدين: الصعيد الأول في الشأن الداخلي، والآخر فيما يتعلّق بشؤون الأمة العربية والإسلامية، مع ملاحظة أنني لم أتناول سوى اللطميات السياسية الواضحة، واجتنبت الخوض في الإشارات والرموز في القصائد المقتصرة على النعي؛ وذلك نأيًا عن الدخول في التأويل والظنّ.
الشأن الداخلي
الحقبة الزمنية التي نتعرّض إليها في هذا المقال هي الحقبة التي بدأت بعد إعلان دستور 2002، وهو ما اعتبر بمثابة انقلاب على ميثاق العمل الوطني والوعود الإصلاحية التي أتى بها الحاكم الجديد، إذ انفرد بصياغة الدستور مع لجنة من تشكيله على عكس ما تعهّد به من دستور تعاقدي.
دخلت البلاد في أزمة جديدة تجلّت في رفض الدستور والبرلمان منقوص الصلاحيّات، وقاطعت المعارضة الدورة الأولى من الانتخابات التشريعيّة فلا مرشحين منهم ولا ناخبين، كما بدأت معضلة التجنيس السياسي والتمييز الطائفي تتصاعد، وبهذا ارتفعت حدّة نبرة الخطاب السياسي في العزاء، واتّسمت بالتأكيد على الوجود المذهبي وبأنه سبب الاضطهاد الذي تتعرّض له المعارضة الشيعيّة.
2003
في نعيه للإمام علي -ع- في ذكرى استشهاده في شهر رمضان لعام 1924 هـ يقول:
تـــــقلع العيون، تخرز العظام.. فيك يا حـــيدر
و تسلخ الجلود، تنشر النحـور.. حينما تنــــشر
و لا نحيد عنك، ياعلي أنــت.. الأمل الأخضر
فكلنا جـبير، ميثم أبـــو ذر.. كلنا الأشـــــتر
الله يا ســعيدي.. أنت و ابن سعد في الهوا ســيان
إياك و الحسين.. فـعزاه هذا فورة الــــبركان
إياك و الشعائر.. فهي لو أرادت.. تذهب الســلطان
لا تذهب بملك.. دول تخر.. ترتمي تيــــجان
فمن هنا ننطالب
بحرمة المواكب
فهل له مــحافظ
يعانق الكراسي
و ينجب المصائب
والسعيدي الذي يتحدّث عنه هو النائب السلفي "جاسم السعيدي"، وهو صاحب مواقف معادية للمعارضة الشيعيّة البحرينية، وجاءت هذه اللطميّة بعد تقدّم الأخير بمقترح في مجلس البرلمان لحصر الممارسات الدينيّة في دور العبادة، ورغم أنه -أي السعيدي- وضّح بأنه يقصد جميع أنواع الممارسات ومنها الاحتفالات الدخيلة (أي الكريسمس)، إلا أن الشيعة اعتبروا هذا المقترح حلقة ضمن سلسلة طويلة من التضييق على شعائرهم، خصوصًا أن خطابًا اعتبر عدائيًا قيل في مقره الانتخابي. وفي هذه اللطميّة يساوي السعيدي بعمر بن سعد قائد الجيش الذي حارب الإمام الحسين -ع- في كربلاء!
2005
اللطمية التالية لا تخفى على أحد في الشارع البحراني، بل أنها بقيت “الخلفية الصوتية” للمشهد السياسي البحراني لسنوات، وأعاد إلقاءها الأكرف بعد 2011 على منصّة الدوار. هذه اللطمية ألقيت للمرة الأولى في 2005 في وفاة الإمام علي أيضًا بعنوان: “شيعوا بالدم اسمك الأعظم” ويأتي فيها:
كـَذابُ يا قانونُ كـَذاب
ليس لنا ألاكَ إرهاب
يا من على رأس ِ الرعايا
تفتح ُ للإجرامِ أبواب
(...)
يا شعبُ تقدم
فالأرضُ جهنم
والأرواحُ بالثورة ِحـُبلى
ثُر من جرح ِحيدر
أغرق من تجبر
طوفانٌ من المحراب ِ صلّى
وكما هو واضح ففيها يتجسّد انعدام الثقة بالدولة، رفض التذرّع بـ”الإرهاب” لإحكام القبضة الأمنية، وتبشير بالثورة على الرغم من أنها لم تكن توجّه الجمعيات المعارضة، فالشيخ علي سلمان النائب العام لجمعية الوفاتق كان قد صرّح في إحدى سنوات هذه الحقبةفي تلك المرحلة بأنهم لا يتوقعون ثورة ولا يفضّلون حدوثها، كما أنهم شاركوا في انتخابات السنة التالية وفازت الوفاق بـ17 مقعد.
2006
في هذه السنة، وفي وفاة الإمام علي أيضًا، ألقى لطميّة: “هم فيه مختلفون”، وفيها يقول:
ها قد بان المستور .. ليس الأمر دستور
ما الدستور الطاغي .. إلا عبدٌ مأمور
نظامٌ أنت أم فوضى .. و أعذارك مرفوضة
تُـغذي طائفياتٍ .. مدى الأيام مبغوضة
ظلمتينا و كم كنتي ظلومة .. و دوماً ضدنا عند الخصومة
و أما بعد كل الظلم هذا .. فمن أين سنرضى يا حكومة
2007
في 2006 توفّي الشيخ عبدالأمير الجمري، أحد أبرز قادة الحراك السياسي في التسعينات ومن مؤسسي جعية الوفاق، تربطه بالأكرف علاقة وثيقة من خلال العمل السياسي والارتباط العائلي، فـ”أم جميل” زوجة الشيخ الجمري هي عمة الأكرف، وبالإضافة لكلّ ذلك فقد قضوا سنيّ الغربة في قمّ والسجن سويًّا يتشاطرون العذابات والوحدة.
لذا شارك في تأبينه بعد سنة بقصيدة مؤثرة جدًّا، ولحن شجيّ ودمع سخيّ، أذكرها هنا لا لتحليلها فهي ليست لطميّة سياسية، إنما لارتباطها بحدث مهم، ولأن المقال أصبح فهرسة للأحداث البحرينيّة في قصائد حسين الأكرف: