الغوغائية السياسيّة في القصيدة الحسينية: شيخ حسين الأكرف أنموذجًا

ما بعد 2011 (3/4)

في الجزء الثاني من السلسلة تكلّمنا عن الخطاب السياسي في موكب الشيخ حسين الأكرف في فترة ما بعد الميثاق الوطني، وقد قسّمنا المقال على قسمين، ناقشنا في الأول الخطاب المتعلّق بالشأن البحريني وفي الثاني ناقشنا ذلك المتعلَق بالشأن العام.

في هذا الجزء نركّز على المرحلة التالية والتي بدأت مع الربيع العربي، متناولين التقسيم ذاته.

وسنلحظ أن خطاب هذه المرحلة أكثر صراحة ومذهبيّة، وهو يتناول الشأن المحلي كجزء من القضايا الأكبر، والقضايا الكبرى من منطلق شيعي موالي لنظام ولاية الفقيه في إيران.

الشأن الداخلي

في فبراير 2011 انطلقت الثورة البحرينيّة لاحقةً بتونس ومصر واليمن، وفي مارس أصدر الشيخ حسين الأكرف هذه الأنشودة:

2011

 يمكن أخذ اكثر من مثال على شكل الخطاب السياسي الرائج في المجتمع الشيعي من هذه الأنشودة، فكل ثورة يتمّ ربطها بحركة الإمام الحسين عليه السلام، وذلك نوع ليس فقط من استحضار حدث تاريخي مؤثّر على المجتمع وعقليته وإنما للتأكيد على أن الصبغة الدينيّة للثورة، وأنّ ما يراد بها هو الحقّ في قبالة الباطل، والدين ضدّ الضلال والكفر والطغيان.

في “هلا بيكم يا أبطال الميادين” يربط الأكرف بين الثائرين في دوار اللؤلؤة وعلي الأكبر بن الإمام الحسين والقاسم بن الإمام الحسن والعبّاس بن علي بن أبي طالب عليهم جميعًا سلام الله، وهم رموز كربلائيّة عرفوا بالبسالة والشجاعة والصلابة في نصرة الإمام الحسين والدفاع عن القيم الإسلامية.

ثمّ يمضي ليشبه السلطة بـ"يزيد"، ولا يمكن أن تجد في الفكر الشيعي شخصيّة أرذل من يزيد بن معاوية في تجسيدها لكلّ معاني الباطل والظلم والطغيان، فيقول: " كل ماطغى يزيد، همتكم تزيد، والـ ينذبح يصبح أكثر وسامه".


كذلك أكد على الولاء للقيادة الدينيّة: " يا أروع أنصار، مشهدها ماصار، تفرش مناحرها تفدي القيادة"، وفي استخدام لفظة "أنصار" فإن الشاعر يريد التذكير بأنصار الحسين الذين فدوه بأرواحهم.


وأخيرًا الحثّ على الشهادة باعتبارها هدفًا منشودًا وشرفًا مرومًا: "والينذبح يصبح أكثر وسامة"، "قتلى وثغركم يفيض ابتسامة"، " كل ظامي بالناس، يترجى لو كاس، لكن عطشكم تبرده الشهادة"، " حتى الطفل ثار.. وبعينه إيثار.. روعة إنتصار الطفل بالفجيعة.. نجري له ادموع.. نعلق له اشموع.. ونهني موته فداء الشريعة".

2013

هذه الأنشودة صدرت استجابةً لحدثٍ جلل في ذلك الوقت، عندما اقتحم عشرات الجنود منزل الشيخ عيسى مخلفين خرابًا وتكسيرًا، عرف ذلك اليوم بجمعة الوفاء؛ إذ احتشد المواطنون من مناطق متفرّقة عند بيته في وقفة تضامنيّة لإرسال رسالة للنظام بأن ما حدث يعد تجاوزًا خطيرًا، فأنشد الأكرف: "احذر احذر عيسى قاسم خطٌ أحمر"، للتعبير عن الرفض، والتأكيد على الاستعداد لفداء الشيخ:


وعلى الرغم من التأكيد على رمزية الشيخ عيسى قاسم الدينيّة، واعتبار الاعتداء عليه اعتداء على الدين، إلا أنه يشير إليه أيضًا بكونه رمز وطني لجميع البحرينيين، وللإنصاف فإن شعبية قاسم منقطعة النظير في البحرين، كذلك يؤكد على “إسلاميّة البحرين”، وهنا أشير إلى حادثة تاريخيّة حصلت في المجلس التأسيسي الذي صاغ دستور 1973، وهي تتعلّق بصياغة المادة الأولى من الدستور “البحرين دولة عربية إسلامية مستقلة”.

لقد كان المقترح أن تكون المادة كالتّالي: “البحرين دولة عربية مستقلة ذات سيادة تامة، شعبها جزء من الأمّة العربية، وإقليمها جزء من الوطن العربي الكبير، ولا يجوز التنازل عن سيادتها أو التخلي عن شيئ من إقليمها”، إلا أن قاسم الذي كان ضمن الكتلة الدينيّة في ذلك المجلس أصر على إضافة وصف “إسلاميّة” رغم رفض الكتلة اليساريّة، حتى أن هذه المادّة كانت آخر ما أقرّ في الدستور بسبب الجدل الذي دار حولها.

وقد جاء في المداخلة التي أوضح فيها سبب إصراره على إضافة لفظ “إسلامية” الآتي:

الأوصاف الداخلة في التعريف لا بد أن تكون ذات آثار تشريعية، آثار تدخل في توجيه الحياة الاجتماعية لهذا البلد وكلمة «عربية» إنما هي وصف يتصل بشيء تكويني بالنسبة لهذا البلد والأمر التكويني معروف أنه لا دخل ليد التشريع في وضعه ولا رفعه وإنما مهما نصَّيْنَا أو لم ننص على مثل هذه الكلمة سنبقى عرباً.

(……) 

و«الإسلامي» وصف اعتباري ذو آثار تشريعية وتوجيهات اجتماعية تصوغ الحياة الاجتماعية للبلد المعرَّف. فعلى هذا الأساس يكون دخول وصف «إسلامية» في التعريف أوثق وأصح لتكوينه واستقامته من وصف «عربية». ومع هذا ولظروف خاصة وملابسات سياسية خاصة لا أعارض بشكلٍ ما أن توصف الدولة بعربية إلى صفّ وصفها بالوصف الألزم والأوثق، وهو وصف «الإسلامية»، ثم نأتي إلى الناحية الواقعية وننظر إلى واقع هذا البلد وإلى أفراده ولو أجرينا استفتاءً عاماً لشعب هذا البلد وهذه هي الصورة النقية من الديمقراطية التي ننادي بها، لوجدنا الإنسان هنا مسلماً وأغلى أمانيه أن يجد بلده في يومٍ ما تعيش حياة إسلامية بنكهتها الطيّبة والرائحة التي تروق لنفسه ومشاعره.(1)


وأخيرًا يقتبس مقطع من لطميّة سابقة وقد جرت الإشارة إليها في الجزء الأول وهي “عاصمة الصبر” فيقول: إذبحونا وإياكم وإياه”، وهي التي ألقاها بعد تصريح النائب جاسم السعيدي حول إدانة قاسم لمحاكمات انتزعت فيها أقوال المتهمين تحت التعذيب بأنها كلام “خالٍ من المسؤولية والعقلانية، وجهل كبير لا يصدر من عالم ولا حتى  من متعلم  أو طفل صغير”

2016

في الأنشودة السابقة يقول: “واعلم أنا في حفظك تسبقنا للموت الأكفان”، وهي ليست قصيدة فحسب، ففي 20 يونيو احتشد جمع من البحارنة عند منزله بالأكفان بعد أن استيقظ الشعب على خبر سحب جنسية شيخ عيسى قاسم وتوجيه عدد من التهم له من بينها غسيل الأموال في إشارة إلى أموال الأخماس، وهي الحادثة التي على إثرها هاجر الشيخ إلى قمّ المقدسة حيث هو مستقر الآن، وفي ذلك أنشد شيخ حسين "أنت الدخيل" لنفي ودحض الاتهام الذي وجهه أتباع النظام للشيخ بكونه غير بحريني الأصل، وهي أنشودة جريئة جدًّا لو أن الأكرف في البحرين لما تمكّن من إصدارها:

في المستهل يقول: “هذا روحي حصني والدي، هذا الحِمى” يسبقها مقطع للنائب العام لجمعية الوفاق “الشيخ علي سلمان” وهو يقول أن عيسى هو ضمانة للسلميّة والإصلاح.

وهذا القول ليس مستحدثًا، يعتبر قطاع واسع من المجتمع أن الشيخ هو ضمانة لاستمرار سلميّة الحراك، لإصراره على ذلك في خطاباته، ويمكن الاستدلال على ذلك أيضًا بكون من يجنح للعنف وينادي باستعمال السلاح هم من غير جمهوره.


مجددًا يدعو الأكرف لـ”المقاومة” في سبيل الشيخ عيسى، ويعود للربط بين الحدث وحادثة الطّف: “هذي كربلا هذا هو العاشر” مشبّهًا الشيخ بالإمام الحسين.


الإشارة التالية تحمل مضمونًا أكثر جرأة، فهو يقول” هذا ابن الأرض وأنت الدخيل.. هذا الوطن .. قبل استيطانك كان الأصيل، من أنت من؟” لتظهر صورة ملك البلاد، وشرح هذا المعنى بحاجة إلى استطراد تاريخي قد يطول -ويحظر- إلا أنه بشكل عام يشير إلى تاريخ العائلة الحاكمة في البلاد، وهي إشارة ليست جديدة أو مستغربة على الوسط البحراني.

ثمّ يمضي في اعتبار الحكم “احتلال” مرددًا “ارحل”.


في المقطع اللاحق يقول: لا لن نسلم القائد في الوثبة”، وهو تناص لقول السيدة زينب عليها السلام ليلة العاشر من محرّم: “أخي، هل استعلمت من أصحابك نياتهم فإني أخشى أن يسلموك عند الوثبة واصطكاك الأسنة!” وتعني بذلك أصحابه الذين رافقوه إلى كربلاء. فيجيبها السبط: “أما والله! لقد نهرتهم وبلوتهم وليس فيهم إلا الأشوس الأقعس يستأنسون بالمنية دوني استئناس الطفل بلبن أمه.”

قضايا الأمة

في هذه المرحلة تنامى الإهتمام بالشأن العام بسبب ثورات الربيع العربي وما لحقها، لذا في هذا الجزء سنتناول المزيد من الأناشيد واللطميات التي تناولت هذا الشأن.

Join