في فضيلة اليأس


يقول قاسم حداد أن "اليأس هو السعي الحثيث نحو الأمل"، بشرط أن تيأس صدقًا، وأن يسمحوا لك أن تيأس بحرية، إذ أن يأسك الحقيقي، فضيحة لزيف الأمل الرائج، وهو الطريق نحو الأمل الحقيقي.

إذا أردت أن تيأس فسينهرك الرفاق، سيقولون: لا تستسلم، قاتل في سبيل حلمك.

لا أحد يزوّدك بالذخيرة ولا أنت تعرف: من تقاتل؟

قرأت مؤخرًا رواية (نساء صغيرات)، وفتنت بالتطوّروالنضج الذي كتبته (لويزا ألكوت) لشخصية إيمي.

موهبة الشخصية في الرسم صاّغت شخصيتها وهويّتها في سنيّها الأولى، وبعد زيارتها لروما التي لطالما حلمت بزيارتها والاطلاع على فنونها، يسألها صديقها متى تبدأ مسيرتها كفنانة؟ "فتجيب بنبرة يائسة لكن مصممة: مطلقًا، لقد جردتني روما من خيلائي، فبعد رؤية العجائب هناك شعرت بضئالتي وتنازلت عن كل آمالي الحمقاء بقنوط".

هذا أحد المشاهد التي أعدّها مفصلية في الرواية ولم ينصفها الفيلم، بل وتجنّت كاتبة السيناريو بأن أجرت على لسان إيمي مواقف سياسية وآراء حول الزواج لم تكن لتقولها الشخصيّة، وجعلتها تبدو غاضبة غيورة وتشعر بالمرارة، فيما كان النّص يصوّر شخصية أكثر تقبّلًا وهدوءًا وحكمة، وهنا يكمن جمال التخلّي.


تقول إيمي: "الموهبة ليست كالعبقرية، ولا يمكن أن تكون مهما بذلت من طاقة، أريد أن أكون عظيمة أو لا شيء، لذا لا أنوي المحاولة مجددًا".


في الليلة التي قرأت فيها هذه العبارة أزهر في نفسي يأسٌ جديد، وتطايرت في ذهني الآراء والأولويات والأحلام، وبدأت في تفكير جدّي ومقارنة بين ما أريد وما يمكنني أن أفعل، وماهي الخطة (ب).


نعيش في حقبة زمنية تشهد كثافة غير صحية لقصص النجاح، من خطب الـ TED talks، لأفلام الناجحين لسلاسل التغريدات حول من “يتحدّون الصعاب”، وقبل ذلك كله ما تسمعه من محيطك حول عدم الاستسلام واتباع أحلامك.


إلا أن الحقيقة هي أن حلمك قد لا يتحقق، أو قد لا يمنحك احتياجك، بل قد يسلبك السعادة شيئًا فشيئًا دون أن تنتبه.. ونسبة حدوث ذلك عالية في الحقيقة، لذا يجب أن تمتلك الشجاعة لتواجه نفسك، لتحارب حلمك، وأن تأخذ المنعطف الأقرب الذي يسلك بك سبيلًا آخرًا، جبنك عن هذه المواجهة سيكلفك عمرك وصحتك النفسية والجسدية! فبحسب دراسة، يتمتّع الأشخاص الذين يتخلّون عن الأهداف صعبة المنال بمزايا صحية أفضل، معدلات كوليسترول أقل على سبيل المثال.


هناك شعور حُلو في الخفة التي تلحق نفض حلم عسير أثقل كاهلك لسنوات، وطمأنينة في النضج الذي تبلغه اللحظة التي تقرر فيها الاستسلام، واحتمالات جديدة ستظهر دائمًا في الأفق، الاحتمالات مسليّة، ومجهود حلّ معضلاتها مجزي ويمنح نشوةً للروح.


هذه ليست دعوة للاستسلام الجبان، إنما للتخلّي عن الأوزار، لفرز الأهداف التي يجدر التخلي عنها، وهي في الغالب تلك التي تقلقك، تعيشك في اضطراب مستمر،وتدهور صحتك، من الأهداف التي يحسن الاحتفاظ بها، فالدراسات تذكر أن قوة إرادتك مورد محدود، إذا وجهته نحو مقصد ما، قصر عن غيره.

لذا، عليك أن تيأس، لتحثّ خطاك نحو الأمل، كما أسلف قادم حدّاد.

Join