الإعلام والأزمات الدولية

13 شعبان 1441

“في عالم يموج بالصراعات الدولية بين أحلام الاستحواذ والهيمنة، و طموحات الدور والتأثير، والبحث عن مكانة في عالم يتغير، و في عصر يعاني وهناً في النظام الدولي، وغموضاً في المستقبل الآتي ، ويمر بتحولات جذرية يتعاظم فيها منطق القوة، و في ظل هذا كله لم تعد ثقافة إدارة الأزمات الدولية ترفاً ثقافياً ، وإنما أصبحت ضرورة حياة ،وإذا كانت وسائل الإعلام لا تحدد أجندة الأزمات الدولية إلا أن لها دوراً مؤثراً في تحديد كيفية معالجة هذه الأزمات،نظراً لحساسية وخطورة تأثير الأزمة الدولية على متغيرات الأمن القومي، وتصاعد حدة التوتر بين الأطراف المختلفة وبروز احتمالات السيناريوهات الأسوأ، وتنافس العديد من الوسائل على جذب اهتمام الجماهير المتوترة والتأثير فيها، وهي لا تؤدى هذا الدور بمعزل عن باقي أدوات إدارة الأزمة، وإنما تؤديه من خلال إدراك واضح لعلاقات متداخلة وأدوار متكاملة في لحظة حرجة، ليأتي الأداء متناغماً و ساعياً نحو هدف محدد، لا مجال فيه لصراع أو تناقض أو خروج عن سياق”.

(بهنسي،2010،240)

في هذه المقالة سأتحدث عن مفهوم الأزمة الدولية ودور الإعلام في الأزمات الدولية


أولاً: ماهي الأزمة الدولية:


في البداية تُعرف الأزمة لغوياً: أنها الشدة والقحط والمحنة. وأزم الشيء: أمسك عنه. (المعجم الوجيز،1999،15).


و اصطلاحاً: مرحلة تحّول أو إنعطاف شديد في مسيرة أحداث متتابعة، كما أنها تعني حالة التغيير أو عدم الثبات، أو أنها تؤدي إلى تغيير حاسم أو فاصل، ويمكن وصف الأزمة أيضاً بأنها نقطة تحول نسق من السياسات و أن التغيير يكون فيها قطعياً إما للأحسن أو للأسوأ. (الهدلة،2005).


يوجد العديد من التعاريف المتعددة والمختلفة حول مدلول الأزمة الدولية بين مختلف الاتجاهات العلمية والمدارس الفكرية، ولكن سأحاول أن اضع ما يصفها بإيجاز، دون التطرق للكم الهائل من التشعب والاختلاف في مابينهم.


"تعرف الأزمة الدولية بأنها الصورة الأكثر دراماتيكية والأشد كثافة للصراعات التي تجري داخل النظام الدولي والتي تتوقف دون نقطة الحرب، وتوصف الأزمة، بأنها دولية، بالنظر لما يمكن أن يترتب عليها من آثار تنعكس ليس على أطرافها فحسب ، وإنما قد يتضرر من جرائها العديد من أعضاء المجتمع الدولي (ربيع ومقلد 1993).(صدام،2003،7)".

"الدراماتيكية" كلمة إغريقية معناها محبكة ومعقدة ومتقلبة.


بينما تُعرف كورال بيل - koral pill الأزمة الدولية على أنها: " نقطة تحول في طبيعة العلاقة بين أطراف ما، حيث ترتفع الصراعات إلى مستوى يُهدد بتغير طبيعة العلاقات بين الدول" فيما يُقدم شارلز هيرمن - Charles Hurman تعريفاً أخر للأزمة الدولية على أنها: "الوضع الذي يُهدد أحد الأهداف الرئيسية للوحدة السياسية، بحيث يحد من الوقت للتفكير والتخطيط والاستجابة من أجل تغيير النتيجة المحتملة"، والواضح من تعريف هيرمن أنه ركز على عنصر المفاجئة أي أن الأزمة تحدث بشكل مفاجئ لم يُتوقع من قبل صانع القرار، العنصر الذي يحدد الأزمة و هو أحد أبرز سماتها.


يشهد العالم أزمات متنوعة من صراعات وأوبئة وكوارث بشرية وطبيعية وغيرها، وأبرز مثال على ذلك هو ما نعايشه اليوم من أزمة عالمية متمثلة في فايروس (كوفيد-19) وفي ظل دراسة الأزمات وأنواعها وأسباب ظهورها وانتشارها، و أبعادها وتأثيرها على الحياة العامة، الأمر الذي يتطلب البحث عن استراتيجية للمواجهة والإدارة بناء على أسس علمية يمثل الإعلام فيها عنصرًا مهما بما يحقق الفهم الصحيح للأحداث ويضعها في سياقاها، مع الأخذ بالاعتبار، أن لكل ظرف قاعدة حيث لا يمكن التعميم، الأمر الذي اتضح لي بعد دراسة الأزمات حيث لا يمكن الأخذ بنظرية أو استراتيجية واعتمادها وتعميمها على جميع المواقف والأزمات فلكل ظرف وأزمة خصائص وسمات تختلف عن الأخرى، حتى محاولات التنبؤ بالأزمات قد لا تنجح في بعض الأحيان وخاصة على النطاق الدولي.


دور الإعلام في الأزمات الدولية:


يلعب الإعلام دوراً هاماً في تبيان الحقائق للمواطنين والجمهور وخصوصاً في حالات الكوارث والأزمات، وفي حالة الصدمة الناتجة عن وجود الحوادث و الكوارث المفاجئة يلعب التخطيط والتحضير والتدريب دوراً هاماً في التخفيف من أثار  الكوارث والأزمات، وتعتبر وسائل الإعلام عاملاً حيوياً في إيصال المعلومات الإيجابية المتوفرة من المؤسسات الحكومية في التوقيت المناسب الذي يقلل فرص زيادة التأويلات والتخمينات بين صفوف المواطنين وعدم اصابتهم بالخوف والفوضى وعدم الالتزام و محاولة الاجتهاد والحصول على معلومات من وسائل اخرى، وعلى مؤسسات الدولة تحضير الكوادر المؤهلة لنقل الرسائل الإعلامية الإيجابية وتجنيب المواطنين التعرض للأخبار الكاذبة والملفقة، والمهم أن يعرف القائم بالاتصال كيف يخاطب اهتمامات الناس فهي أهم من الحقائق.

في بريطانيا عام 1990 ظهر مرض "جنون البقر" ، حيث أصاب الناس بحالة هستيرية نتيجة نقص المعلومات الدقيقة بالمرض مما أدى لتصاعد الأزمة، حيث أدى تداول وسائل الإعلام لكلمة أبقار وكلمة جنون إلى جعل الناس يعتقدون أنهم سيتحولون إلى  أبقار ويصابون بالجنون، وقد أدركت الحكومة البريطانية  هذا التأثير لوسائل الإعلام وبدأت بالاستعداد  وعند الموجة الثانية  من  المرض حيث عاود الظهور في انجلترا عام 1996، قامت بعقد ندوة للخبراء أعلنوا خلالها  الحقائق وتم معالجة الأزمة بالأساليب التالية:

 -   معالجة القضية بشكل جاد وبدون تهوين أو تهويل.

 -   سرعة التصرف.

-   جعل الجمهور على صلة بحقائق الموضوع.

 ومع ذلك فإن سوء معالجة الحكومة للأزمة في المرحلة الأولى عام 1990 أفقدها مصداقيتها في عام 1996 بسبب تصورات الناس عن الواقع رغم ذكر الحكومة للحقائق.

 

ومن هنا نجد ضرورة أن نتعامل مع الحدث من منظور الآخرين وأن تظهر المؤسسة الاهتمام  والتعاطف مع الناس وتحاول ترك أثر طيب يخفف من وقع الصدمة، قام الأستاذ هشام عوكل بوضع بعض الخطوات للتعامل في مثل هذه الأزمات أبرزها:

خاطب الناس بما يريدون سماعه:

 الجمهور يميل إلى تدعيم الاتجاهات التي يتبناها ويقاوم الاتجاهات المضادة وهو ما يطلق عليه (حواجز الاتجاه)، فلكل فرد حواجز نفسية تمنعه من تقبل الآراء المعارضة للاتجاهات التي يتبناها حتى وإن حاول مصدر ذلك سرد حقائق وحجج منطقية، ولكن ينخفض هذا الحاجز ويكون هناك فرصة أكبر للاقتناع بوجهة نظر أخرى إذا استخدم الشخص حملة تأييد أو دعم.

اجعل من الأزمة فرصة:

 استطاعت العديد من المنظمات الاستفادة من الأزمة كفرصة للاستثمار وتسويق الأعمال، وقد لوحظ إن معظم الناس يتأثرون بالأزمة عند ذروة النشر عنها ولكنهم بعد فترة قد ينسون الأزمة ولكن يتذكرون اسم المنظمة، فالأزمة الفعلية نادراً ما تسبب الدمار، ولكن هذا يتوقف على طريقة المعالجة الإعلامية التي قد ترتفع بسمعة المنظمة أو تهبط بها إذ ليس هناك ما هو أسوأ من النشر السلبي.

المنظمات الكبرى تحظى بتغطية أوسع:

 يستجيب الناس للأسماء والمنظمات الكبيرة اللامعة أكثر من استجابتهم للمنظمات الصغيرة وهذا يحقق مزايا عديدة للمنظمات الكبرى في الأوقات العادية، ولكن يتحول إلى عيب كبير في الأوقات العصيبة.

 

وشكراً

المراجع:

بهنسي.(2010).كتاب الإعلام وإدارة الأزمات الدولية.

الدويك.2017)).الاتجاهات الحديثة في إدارة الأزمات الدولية الشرق الأوسط نموذجًا. المجلة الدولية لأبحاث الأزمات،1 (العدد التعريفي).

صدام.(2003).الأزمة الدولية وطرائق دراستها، جامعة الشرق الأوسط.

عوكل.(2013)،الإعلام وإدارة الأزمات،(( http://hichamoukal.blogspot.com/p/blog-page_13.html.

Join