ما بين الاختلاف والخلاف
تمرر بعض النصوص والمحتويات فكرة "وجوب التشابه" بطريقة لطيفة وجميلة تجعلها فكرة أو قيمة قابلة للتبني وأحيان قاعدة حياتية في العلاقات الاجتماعية، لنجد أن هناك مَن يسعى غالباً باحثاً عن مَن يمتلك أفكار وتصورات تُشابهه أو قدر كبير من القواسم المشتركة، مما دعاني للتساؤل هل فعلاً علينا ذلك؟
الأمر أشبه بحوار من يتشارك معك ذات الفكرة والتصور، ليكون الحوار عبارة عن تشارك نفس الفكرة بصياغة مختلفة وجميع الأطراف متفقة، لكن أين الحوار في ذلك، وأين متعة الاختلاف والثراء المُرتَقب في حال كان الحوار نقيض ما سبق وبوجود أطراف مختلفة الفكر والثقافة، الجميع يطرح ما لديه والجميع يخرج برؤية جديدة وأكثر اتساعاً لذات الفكرة وإن تمسك بها..
ربما أكثر الساحات اختباراً لمدى تقبلنا للآخرين هي منصات التواصل الاجتماعي، وما يسود بها من تباين واختلافٍ كبير في وجهات النظر والرؤيا والتصورات وما يشوبها من جِدال، لأقف أمام من يخالفني دائماً الرأي -وأحيان نرى أن المسألة ليست خلافًا في الرأي فقط بقدر ماهي لغو ولغط ناقص البرهان-هل أقوم بحظر أو كتم صاحبها حتى لا أرى ذلك الرأي أو اللغو مرة أخرى؟ ثم ماذا!
تصبح واجهة أي منصة نرتادها والخط الزمني “timeline” ليس إلا انعكاس لما نرى وما نود أن نرى ولا نتابع إلا من يتفق ويتشارك معنا، إضافة إلى ما تقوم به بعض المنصات من تعزيز ذلك والحث عليه! وكأننا نمارس نوع من أنواع الاستبداد اللاشعوري والضيق النطاق في تغييب الرأي الآخر تذكرت مقولة لنعوم تشومسكي يقوله بها "إذا لم نكن نؤمن بحرية التعبير لمن نحتقرهم فنحن لا نؤمن بها على الإطلاق"، اختلافنا مع الآخرين لا ينبغي أن يكون بهدف وأْدِ آرائهم الشخصية، لأن ذلك لا يمتُّ للوعي والتقبل بصله، وهذا ما جعل المفكر الفرنسي فولتير يُعلن عن استعداده لدفع عمره من أجل أن يُعَبّر خصمه عن رأيه الشخصي، فقال: ”قد أختلف معك في الرأي ولكني أدفع عمري لتقول رأيك”.
اتأمل دائماً حكمة الله عز وجل من إيجاد هذا الاختلاف والغاية منه قال تعالى:(يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)
سورة الحجرات آيه(١٣)
وقوله:(وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً ۖ وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ)
(118) سورة هود
ومابين الاختلاف والخلاف نحن ومانريد ومايجب!
-الاختلاف منجم للثراء الفكريhttps://islamonline.net/17992