كيف يفكر مؤلّف هجوم العمالقة؟
المانغا والحرب
بعد أن اكتفى العالم من تحليق الأرواح جرّاء الحرب العالمية الثانية، أخــيراً أنزل الجنود البنادق وعادت الطائرات أدراجها، حدث ذلك بعد غوص اليابان في حضيض الحفرة التي خلفتها القنبلة الأمريكية، إلا أن أبـنـاء الـسـامـوراي كَرهُوا الـبقـاء تـحت أنقاض الحرب، وسرعان ما تداركوا الجراح الغائرة، لــيـشـــهـد مسار التاريخ تفوق لا مثيل لها في استجابة الجسد الياباني للعلاج.
لملم الآسيوي حسامه المبتعثر لشظايا وتنفست الفنون اليابانية الصعداء، وشـــــهد مضمار الثقافة تسـارع خـطـوات المـانـغا، هذه الانطلاقة -بعد الحرب العالمية الثانية- اعـــتقد البعض بأنـــهـا تـــــأثــرت بالقصص المـصـــورة الامـريـكـيـة، التي أتى بها جنود الولايات المتحدة أثناء الحرب. وبذلك نـــالـــت المانغا فـــي خـمـسيـنات الـقرن الماضي، أقبال الشباب حتى تحول بعضها إلــــــى مسلسلات "أنمي" وغادرت حــدود اليابان إلى انحاء المعمورة.
وميض البداية
باعتبــار أن المانغا ثــقافة متوزعة في عموم أرض الشمس، يستمتع بها الكبار ويتلذذ الــصــغــــــــــــار بمطالعتها، مثــــلما هو الحــال مع الانمي، إذن لم يكن غريباً على طـــفل ياباني أن يخطط الرسومات فــي دفتره، كونه يتنقل بــبصره بين المانغا والمسـلسلات والكتب. وفي المرحلة الثانوية عندما تكتظ دفاتر الصبية بحديث الغزل، كانت أوراقه تسيل منها الدماء وتتعارك العمالقة، آنذاك التقى بقصته على غرار اجتماع الفتيان العشاق.
هـكـذا شــرع العبقـري هاجيمي إيساياما من بـلـدته “هيتـا” فـي الجــزء الغـربي بالإمبــــــراطورية، التي انـــشـقت مـن اراضـيـها الجــبـال الباسـقة مثل الأسـوار فـي قـصـتـه، شــــعر بالضيق بــسـبـــب مســــقط رأسه المحاط بالـشــاهـقـات على حد ما يـقول، يشـرح احـاسـيـسه أكـثر ويـعبر عن أفكاره آنذاك: "في يوم من الأيام سأخرج من هذا الجدار وأذهب إلى عالم واسع" مــــــن هنا تمـخـض خياله المترامي وأنــجـب شــخـصـيـتـه الـشهيرة "ايرين" المتسم بالفضول واكتشاف العالم، يكمل وهو ممتن: "قضيت فــيـهــا كـل وقـتـي ألـعـب بـيــن الجبال والأنهار، إذا لم أكن ولدت هنا ولم اترعرع، فلـــــن أكون أنا الآن".
غــيـر أن والــده رفـض عــمله كرســـام مــانغا، إيساياما أراد دخــول فــريـــق مــدرســته الابتدائـية لكــرة الـقــدم، لـكـن ضعف بـنيـتـه حــــال بـينه وبين أمنيته لتهتز فرائص الطفل، الــذي كــان يــسـمـر أمـــــام شاشة الــتـلـفـاز أمــام معركة ملحمية ضمن لعبة الملاكمة، جمعت البرازيلي "رودريغو نوغيرا" ضــــــد الأمريكي "بوب ساب"، الأمر الذي جعل الكاتب الياباني مولعاً بفنون القتال.
كيف يفكر؟
مثل مـعـظم الكتاب، واجــهــت قــصـة "هجوم العمالقة" رفض العديد من المجلات، لم يذعن وعاود تحـسيـنـهـا والـتـقديـم مـرة أخرى، لكن مالذي يميز إيساياما؟ وكيف يفكر؟ هاجيمي الموهوب لم يكن عـلـيـه أن يـعرف بأنه موهوب حتى يكتب مانـغـا مـغمورة، بـعـيـداً عن قدرته في التفكير الخلاق التي هـي عطـيـة مـن الله تتنامى مـع الـوقـت، لاحظ المؤلّف ما حوله، واستـمـر بالتأمل والمـطالعة فــي كل شيء. وقف امامه في طوكيو شخص فقد عقله بعـد تجرعه الخـمـر، حــاول المخمور الحــديـــــــث لكن تعرقلت مخارج الأحرف وتحـشـرج، بـدأ كـأن جــنون ما أصـابه، فكر هاجيمي ماذا لــو كـانوا كذلك العملاقة الا واعين؟.
فـي رأيي، مــزج الـتفـكير فـي فـضـاءات لا تـنـطبـق عليها قوانين العادة والروتين والتكرار، حتى تنتج المـخـيـلـة أفـكـار رصـيـنـة ومبهرة، ثم أخذها لمرحلة التنفيذ، هو أمر لا يحدث سريعاً، لا شـك أن الصبر والتحمل، والإيمان بالقـدرات والتغذي المتواصل عــلــى الانتاجات الادبية والقصصية، بالإضافة لـعتاد الموهبة، مكنه ذلك من التفكير الإبداعي وتـولـيـد قـصـة درامــية وفق سرد كتابي رائع، وعند النظر إلى سياق حياة الكاتب الياباني نجد تفسيراً لبراعته في صناعة القصص.
تمكن هاجيمي من خطف الأنـظـار، وأنـزل صـواعـق الدهشة عـــــــــلى عشاق الانمي والمانغا، يستحق هذا التبجيل الذي يعبر عنه الجميع. بعــد انتهاء المانغا والمشارفة عـلى سـدل ستار الانمي، لن ينعم كثيراً هاجيمي لأن هناك تحدي جديد أمامه، هل سيبقى في عباءة هجوم العمالقة للأبد؟.