حظ الكتّاب والبغايا
بدايةً، لا أشبه الكتّاب ومهنتهم، بالبغايا، خشيةً من أولئك "المدرعمين" وبلفظ أهل الكورة "منبرشين".. لكن يجمعهم الحظ المشترك حيث يقول الشاعر الكبير نزار قباني:
ما الشعر؟ ما وجع الكتابة؟ ما الرؤى؟
أولى ضحايانا هم الكتـَّـــــــاب
يعطوننا الحظ الجميل وحظهم
حظ البغايا .. مالهن ثواب
كان نزار من المحظوظين، الذين عرفهم العالم على أنه كاتب.. ربما لأنه لامس شيء بداخلهم، ولكن الصورة بشكل عام تخبرنا بإن مهنة الكتابة هي أن تدخل عالم المجهول في مجتمعك، ربما يهتم لك الخواص، لكن بكل تأكيد لن يهتم لك العوام، لن يسألك أحدهم في المجالس العامة عن مهنتك، وحتى لو شاء الله وأٌصدرت لك مؤلفات أدبية وتصدرت قائمة المبيعات ونالت رضا أهل المهنة، ربما سيسألك أحدهم: ما هي إنجازاتك؟.
غالباً ستسير نحو الظلال، أولم يقول توفيق الحكيم:
ولكنَّنا أدباءُ كالعناكب؛ ننسج في الظلام، ونعيش في الجدب والحرمان!
أن تسلك هذا المسار، أي العيش في نطاق ضيق من تقدير المجتمع لك، تقول القاصّة الإمريكية ريپلي پاتون: بالنسبة لعائلتك وأصدقاءك، لن تكون في نظرهم كاتباً أديباً في المقام الأول.
تأكد أنك ستسير في الشوارع، عادياً، وستدخل المتاجر المكتظة بالناس، عادياً، ثم تجلس على مقعدٍ لأحتساء كوب قهوة، عادياً. فلاعب كرة القدم والممثل ومشهور السناب تشات، وغيرهم.. استحلوا بقعة الضوء.
وقد قال الشاعر الزاهد في صومعته، عبدالمجيد الزهراني:
أنا أكتب الشعر لجل انبت ورق اخضر
ولا انتظر من يد الجمهور تصفيقه
غير أن الكاتب، يعيش متأمل في تفاصيل الأنسان، يفكك ألغازه ويوجّه أنظاره نحو دوافعه المظلمة، يفتش في خباياه وأوجاعه، ولا ينسى البيئة، والمجتمع وطبقاته وأفكاره. قبل ست سنوات من الآن، في يوم الثلاثاء تحديداً، وقف عبدالقادر حاوفي في منتصف ردهته بالفندق، في مدينة سيدي بنور، أعد الشاعر المغربي الحبل الغليظ، وبعد أن أخذ نفساً، تأمل كلماته الأخيرة التي خطها على ورقة، سمع صوتاً في قلبه "حان وقت الرحيل"، وشنق نفسه بعد أن همّش العالم موهبته، غادر الشاعر عبدالقادر بلوعة وأسى، وخلفه هذه الكلمات "أخفقتُ في الشِّعر والكتابة والرسم، ولم أوفَّق حتى في حماقاتي الجميلة في حضن الحياة، وأمام كلِّ الإخفاقات التي واجهتني في الحياة سأقفُ اليوم قويًّا في وجه الموت... وداعًا".
من المؤسف، أن ليس للكتّاب كليّة جامعة ومعاهد أكاديمية تكسيهم أزياء مميزة، يسيرون فيها أمام الناس لعلهم ينالون ما ناله غيرهم، في دراسة للباحثة في علم المصريات والتاريخ القديم، الإسبانية كرستينا جيل بانكية، ذكرت: "كان الكاتب في مصر القديمة من الشخصيات التي تتمتع بمكانة وأهمية خاصة في المجتمع بشكل عام، وأجهزة القصر الحاكم بوجه خاص، فهو يؤدي وظائف دينية وإدارية جعلته يحظى بأعلى مراتب التشريف والتكريم نظرًا للمهارة التي يتمتع بها مقارنة بغيره من أرباب الحرف والمهن التي كانت منتشرة، هذه المهارة كان لها مدارس خاصة يتعلم فيها الكاتب ويتدرج في مراحل التعليم المختلفة."
"زامر الحي لا يطرب"، من أجل هذا قال نزار عن معشر الكتّاب، حيث جزائهم المرجو ثواب معدوم الوجود. وربما لذلك السبب، وأسباب أخرى كثيره بالطبع لا تخفى على الكتّاب.. قد قال حنا مينه: مهنة الكاتب ليست سوارا من ذهب، بل هي أقصر طريق إلى التعاسة الكاملة.