التعصّب
كل تعصّب ينطلق من منطلق ديني!
أن تكون خارج القطيع وهم تصطنعه!
الإنسان كائن اجتماعي بطبعه، بل ومتشرذم.
منذ فجر التاريخ الإنساني والإنسان يبحث عن شيء يجمعه بغيره في حدود واحدة.
جاءت هذه الحاجة لتقوية الغرائز الثلاث عنده والحفاظ على ثباتهم. الحفاظ على الحياة وأمنها، والحفاظ على استمرار النوع أي ( البقاء والاستمرار )..
وهي الحاجات التي يشترك فيها كل كائن حي، إلا أنه زاد عنهم بغريزة فطرية أخرى وهو ما نطلق عليه ( الارتباط بالمقدّس )، وهو عنصر يدخل ضمن المعادلة ليوفّر الجانب النفسي في ثبات ما حوله.
هذا الارتباط بالمقدّس ظهر على عدة أشكال وصور؛ قد نجد بداياتها في ما يُعرّفونه علماء الانثروبولجيا بالـ طوطم، وهو العلامة أو الأيقونة أو الرمز الذي يجمع كل مكوّن اجتماعي تحته، سواء كان كوكباً او صنماً أو غير ذلك.
وقد عدّوا هذا الارتباط نوع من الأديان البدائية، والطقوس العبادية.
وكانت الجماعات تنظر إلى الطوطم كهوية يجمعها ويحميها ويميّزها عن غيرها.
وقد استمر هذا الشكل إلى يومنها هذا رغم اختفاء فكرة الطوطم البدائية إلى أنها حلّت في عدة أشكال أخرى، بدايةً في الصراعات القبلية، والدينية، والسياسية.. إلخ
لو عدنا للنطر إلى القناعات والأفكار فإننا سننظر على أنها تتشكل عبر رؤيتين:-
الرؤية الأولى: القناعات الفردانية
وهي الأفكار والقناعات التي لا تأتي عن طريق المجتمع ويكوّنها الفرد بنفسه عبر تطوير أدواته الفكرية وتنميتها ذاتياً.
وهي وإن تأثرت بشكل أو بآخر بالبيئة التي تحيط به، كأن يؤمن مثلاً بالحرية وسط أسرة متحررة من القيود، أو من يؤمن بالتوحيد وفق دراسة لها في مجتمع إسلامي، هذا الإيمان نابع عن ذاته حتى وإن آمن بنفس الأفكار في شكلها ولكن طريقة إيمانه تختلف.
الرؤية الثانية: القناعات الجماعية
في قبال القناعات الفردية، تأتي القناعات الجماعية وهي القناعات السهلة التي يتم تداولها بين الأفراد بشكل جماعي تُحمل كمجموعة كاملة (package)، وابرز تلك الصور من القناعات تلك التي تمثّل القناعات الأسرية الواحدة أو القبلية ، والتي يكون فيها الراعي الرسمي المتحكّم هو النظام الإداري أو السياسي والبيئة الدينية.
لذلك فإنه حتى الملحد الذي يتعصب لفكرته الإلحادية ماهو إلا ضحية القناعات الجماعية في الواقع، لأنها ببساطة لم تأتِ عبر بناء فردي توصل له عبر أدوات علمية تعب على صقلها، والسبب بسيط لأنه لو كان كذلك لما احتاج إلى التعصّب.
فطبيعة القناعات الفردية تحمل معها جوّا من التسامح الكبير اتجاه الآخر الجاهل بهذه القناعة، فالحقيقة بحد ذاتها ذات قيمة ثرية جداً تجعله غنياً عن الدفاع عنها، لأنه يدرك في داخله مقدار الجهد الذي بذله ومقدار التساهل والارتياح والاستسلام الذي يتصف به الآخر فيتحوّل الشعور من التعصّب إلى الشفقة، ويدرك بأنَّ الآخر متعصب ومهاجم دوماً فقط لأنّه لم يبذل هذا المجهود اتجاه تشكيل الأفكار. فقط لأنه يمتلك الوقت الكافي للتعصب.
كل هذه النماذج التعصبية الالحادية أو المذهبية أو السياسية أو الاجتماعية بما في ذلك التعصب للأندية الرياضية هو شكل من أشكال الطوطمية أو الارتباط بالمقدّس الاجتماعي.
ولأننا مجتمعات دينية فإن التعصّب في أي شكل من الأشكال هو تعصّب ديني، لم يختلف شيء، فقد استعاروا لعقولهم مكائن تشغيل الأفكار ممن حولهم وهم لا يركزون على أن يبذلوا أي جهد لتأمل هذه المكائن وتفحص طريقة عملها واستبدالها بمكائن أخرى بقدر ما يركزون على استبدال المواد التي تهضمها هذه المكائن فهم فقط وفقط كانت المكائن العقلية تهضم مواد دينية ثم هضمت بعد ذلك مواد سياسية واستبدلها البعض بمواد الأندية الرياضية.
وبالتالي عندما يجلس في المقهى ويشجع فريق معيّن بعملية تنويمية مغناطيسية جمعية لا يكترث ولا يلتفت بأن هذا الفريق أسباني ولا علاقة له أصلا به هو كفرد إن كان سعودياً أو كويتياً أو عراقياً أو غيرهم... ولا يلتفت أبداً إلى كون أن هذا الانتصار الذي سيحققه الفريق لن يغير من واقع العالم شيئاً ولن يغير من واقعه الشخصي شيئاً البتّه.
فإن أدخل الفريق ملايين الدولارات بكسبه رهاناً معيناً لن يحصل جيب هذا الفرد فلساً واحداً.
هو لا يلتفت لكل ذلك، هو يرى أن هذا الفريق يمثّل له ارتباطاً اجتماعياً يجمعه بمن حوله من أصدقاء وأقارب فيشكلون مجتمعاً متمايزاً عن الآخر، فيظهر بذلك التعصّب، أو الطوطم بلباس نادي رياضي، كأنه تنظيم قبلي أو عشائري (مجتمعي بأي شكل من الأشكال) يشعر هذا الفرد بشيء من الإنتماء له.
اذن فهو تعصب كان وما زال ديني مجتمعي، كان وما زال لا لأنه شكل من أشكال التعصّب ولا لأنه موضوع يتعصب له ولكن لأن الفرد المتعصّب لم يتغير.