“شجرة الحياة”
و
“فقر الدم المنجلي”
شهود على التاريخ
تحدّث علي أكبر بوشهري في كتابة تاريخ البحرين القديم، في آخر فصل منه عن شجرة الحياة التي تتواجد قريبة من جبل الدخان في منطقة تسمى (صخير) بالبحرين، وقد جاء ذكرها بعد ان درس الآثار القديمة في البحرين من أختام دلمونية وما تحتويه من رموز أرجع الأصل فيها إلى أنها تعابير متعددة لمعنى واحد وأصل واحد في كونها تعبيرة عن إلهة الحب والحياة (عشتار)، وحيث أن عشتار في الأسطورة هي الإلهة المطر والمواسم الربيعية والخير والبركة والخضرة الدائمة والمياه الوفيرة.
وشجرة الحياة تواجدت في البحرين بعمر أربعة قرون وقد ضربت رقما قياسيا في العمر لأي شجرة من هذا النوع، وهي لا تملك مصدرا للماء غير المياه الجوفية، لكن بدراسة لحائها، يتبين لنا من خلال حلقاتها مقدار الماء التي تشربته خلال الفترات الزمنية مما يجعلها سجلّا لأمطار المنطقة في القرون، وفرة وشحًّا.
وحين تابع الباحث علي أكبر بوشهري، الزمن وقارن بالاحداث التي جرت، وجد أن هناك ارتباطًا وثيقاً بين الأمن واستتابته والحوادث الإيجابية في المنطقة في زمن وفرة الماء والأمطار، وبين الغارات والغزوات الخارجية على المنطقة في فترة الجفاف والقحط والمنع والندرة في الأمطار، مما يعني بطبيعة الحال أن الغارات كانت لهدف التمكين والتأمين الغذائي.
(فقر الدم المنجلي - الأنيميا - السكل سل ) المرض المعروف انتشاره في هذه المنطقة والذي يعدّ طفرة جينية دفاعية في جسم الساكن بهذه المنطقة لمقاومة "الملاريا" -المرض الذي انتشر في فترات طويلة في البحرين واكتسح وأباد الكثير بسببه- كان له الدور المهم في حياة الناس.
حيث جعل خلايا الدم بيئة صعبة لنمو الطفيلي داخل الأشخاص الحاملين لفقر الدم المنجلي. وهذا يعني أن الأشخاص الحاملين لفقر الدم المنجلي يكونون أقل عرضة للإصابة بمضاعفات خطيرة من الملاريا بالمقارنة مع الأشخاص الذين لا يعانون من المرض.
وقد قارب هذا الأمر بشكل رائع الدكتور نادر كاظم في آخر فصل من كتابه ( طبائع الاستملاك ) حيث قدّم تاريخ المرض كشاهد على تاريخ المنطقة وآلامه وكالنقش الذي لا يزول من ذاكرة المنطقة.
بل وأوصل الاتصال في قراءته، بأسطورة دلمون والتي تعد الأرض التي فيها مباركة الإلهة (أنكي) بالماء المقدّس الذي أحيا المنطقة وجعلها آمنة من الأمراض والشرور، إلى الاختلال البيئي في المنطقة، مما سبب كل هذه المضاعفات من الآلام في التاريخ.
هذه المقاربات تعيدنا إلى مفهوم أهم وأشمل، وهو كيف أن الإنسان ابن بيئته يؤثر ويتأثر، أمراضه وآلامه متحدة مع البيئة، وتاريخه مشترك مع أرضه، وكل ما على الإنسان أن يعمله، هو أن يسعى لإعادة التوازن والعدالة في البيئة بحيث يضمن ديمومتها واستدامتها، وما تعطيه للإنسان من حماية وتغذية.
وهذا هو أصل قضية (حماية البيئة) وتبعاتها في الحياة والتي ركّزت عليها مؤخرًا الأمم المتحدة في هذا العام ورفعت شعارها في الحماية والاستدامة لمصادر البيئة.